تحقيقاتصحيفة البعث

حاضنة و80 شيخ كار لحماية الحرفة التراثية من الانقراض

لم تسلم هوية الحرفة السورية خلال السنوات السبع العجاف من صياديها الراغبين بتفريغ السوق السورية من شيوخ الكار، وأيديها الماهرة، وتجاوز بهم الأمر ليصبحوا تجار “شنتة” يتجولون في الأسواق المخصصة للورش والحرف التراثية يبتاعون منها ما اشتهت أعينهم، ويتخطون بها الحدود، ويمهرونها بصبغة بلادهم على أنها من إنتاجهم، كما يستغلون تجولهم في سوق الحرف التراثية محاولين استقطاب الحرفي ليعمل في لبنان، والأردن، ومصر بهدف سرقة سر المهنة، ثم يتعاملون مع من وقع بمصيدة المغريات بطرق مختلفة قد يكون آخرها إجباره على ترك العمل، أما أوجاع الحرفيين داخل البلد فهي كثيرة ومختلفة تختلف ما بين الافتقار للتواصل المباشر مع المسؤولين، وسوق العمل الفاعلة، وما بين انعدام البيع المباشر، وضعف إمكانية المعارض في التسويق، ليبقى دور الأخير محصوراً بالعرض ليس أكثر.

حفاظاً على ديمومتها

رئيس الاتحاد العام للحرفيين ناجي الحضوة شدد على ضرورة التوثيق عبر الإسراع بإصدار تشريع للمكتب الوطني للحرف التراثية يساهم بعدم الوقوع بمطب سرقة خصوصية الحرف التراثية، كما حدث إبان الاحتلال العثماني، والمكتب يكون مخوّلاً بإصدار صك الملكية للحرف التقليدية المتميزة، بالإضافة للتسويق الداخلي الخارجي، وبيّن سعي الاتحاد للاستفادة من التجربة الصينية الخاصة بإنشاء الحواضن من خلال إنشاء حاضنة للحرف التراثية في منطقة دمر بدمشق تكون بمثابة مجمع تربوي تعليمي تأهيلي إنتاجي للحرف التقليدية والتراثية، ويتضمن أماكن للتسويق الداخلي والخارجي، على أن تنطلق التجربة بشكل أفقي بكافة محافظات القطر، وبيّن الحضوة أن الغاية الأساسية من تلك الخطوات الحفاظ على الصبغة التاريخية والأثرية للحرف السورية، وإلقاء المزيد من الألق  عليها  لتعزيزها، والحفاظ على ديمومتها، واستمراريتها، وحمايتها من الانقراض، كلام الحضوة أيده فيه عصام الزيبق رئيس اتحاد الجمعيات الحرفية بدمشق الذي تطرق إلى تأسيس مجلس شيوخ الكار في دمشق للحفاظ على هوية القطعة، وتشجيع عودة الحرفيين المهاجرين، إلى جانب الحاضنة المزعم إنشاؤها للحفاظ على الحرف المهددة بالزوال كحرفة الزجاج المعشق التي لم يبق منها إلا حرفي واحد، وأوضح الزيبق أنه سيتم منح رواتب للمدربين والمتدربين، بالتوازي مع تضمين الحاضنة التي سجل فيها حتى تاريخه 80 شيخ كار أسواقاً لبيع المنتجات، وستعمم على مختلف المحافظات لتكون في كل واحدة حاضنة بحسب لون المنطقة  وميزتها، على أن تكون أولوية التسجيل والتعليم  لجرحى الجيش، وذوي الشهداء، وسيتم تأهيلهم وتدريبهم ومنحهم رواتب، وبإمكان من يعاني  بتراً بأحد الأعضاء العمل في منزله، وقد تكون طرطوس وجهة الاتحاد بعد دمشق التي سترى حاضنتها النور خلال شهر ونصف.

ماذا في الخارج؟!

رئيس الاتحاد العام بيّن أن التسويق الجيد والمدروس للمنتج يساهم في دعم الحرفي ومنتجه، وتحقيق قيمته الحقيقية، أما بخصوص الجودة فقد أكد الحضوة أن الحرف اليدوية في السوق السورية تمتاز بالجودة والفعالية، وأشار رئيس الاتحاد إلى عودة 1000 مهنة من مصر وبعض المحافظات لمزاولة العمل في منطقة المقامات بحلب، ليصبح العدد 2800 ورشة، لتغدو الجلديات والدباغات ذات المنشأ الحلبي منتشرة في أرجاء المحافظات، في وقت يعمل الاتحاد العام مع وزارة الإدارة المحلية لإنشاء مقاسم لكافة المتضررين لتأمين عودتهم إلى مشاغلهم، أو تأمين مشاغل بديلة، وتم رفع مذكرات للحكومة بإعادة منح القروض للحرفيين المتضررين، إضافة إلى إصدار تعليمات لتعديل بعض الأمور الإدارية، ليصبح الانتساب للاتحاد أكثر سهولة، وبالتالي يمكن توثيق وتنسيب الحرفيين الذين لم ينتسبوا للاتحاد في أوقات سابقة، أما الزيبق وبعد تأكيده على أن الحرفي هو المنتج والمبدع، نوّه على أن المهن الشرقية باتت ترفيهية يتم الحفاظ عليها كتراث سوري، وبالتالي فإن الحرفي لا يحصل على الدعم الكافي، وعندما تقام المعارض يتحمّل كامل أجور النقل، إذ إن الدعم الذي كان مقدماً في معرض دمشق الدولي لتلك الخدمة لا يتجاوز 3000 ليرة، علماً أنه من الواجب أن تكون على حساب الجهة العارضة، وغياب التنسيق المباشر مع الاتحاد العام للحرفيين جعل اصطياد الحرفيين من خارج الاتحاد– بحسب الزيبق– مشاعاً في اللقاءات والاجتماعات والمعارض، وهذا ما يسبب ضعفاً في العمل.

استغلال وضعف

فؤاد عربش، رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية في دمشق، شرح سلبيات الأزمة على الحرفي السوري عبر محاولة معظم دول الجوار استقطابه ليدعم صناعاتهم بعد إغرائه بالأموال، أما الواقع فيوضحه عربش بأنه سرقة للحرفة وأصولها، وبعد وصول الحرفي إلى البلد المستقطب يفاجأ بأبخس الأجور، بحيث لا تبقى بجيبه أجور النقل للعودة للوطن، إضافة إلى وضع كاميرات مخفية بغية سرقة طريقة العمل دون أن يشعر الحرفي، وعن دور الجمعية بيّن عربش بأنها قامت بالعديد من المعارض مع جهات الدولة عامة لاستقطاب الحرف، وممارسة العمل ضمن المهنة الأصلية بهدف تشجيع المنتج السوري الذي استشعر صاحبها الارتياح لاهتمام الجهات العليا به ولو معنوياً، كلام عربش لم يلق القبول عند الحرفي رضوان الحامض، شيخ كار بمهنة تشكيل المعادن اليدوية، والذي أكد بأن المعضلة تتمحور بعدم الاتصال المباشر ما بين المسؤولين والحرفيين أصحاب المشكلة الأساسية، والتي من دونها لا يمكن النهوض بأي عمل حرفي، ليقتصر الاتصال على الاتحاد العام، أو اتحاد دمشق، ومجلس شيوخ الكار،  أما المعارض فلا تقدم ولا تؤخر بشيء، لتبقى الحاجة اللجوجة، برأي الحامض، إيجاد سوق حقيقي للعمل، مشيراً إلى مشروع كتاب مقدم للاتحاد العام ينص على الاتصال بين الجمعيات الحرفية ووزارات الدولة التي رغم حاجتها للحرف تقوم بشرائها من السوق دون الاتصال مع الصانع رغم قدرته على توفير المواد بكفالة دائمة، وبأسعار أقل من السوق، وهي أمور تشكّل حوافز للحرفيين، وعبّر الحامض بلسان الحرفي الموجوع عن معاناة انتظار الزبون ليشتري المنتجات، لاسيما مع ضعف السياحة حتى الداخلية منها، وفي ظل مرحلة الإعمار، وحاجة الأديرة والمساجد والكنائس والمقرات التابعة للدولة، والتي تستهلك جميع منتجات الحرف التراثية، تمنى الحامض أن يتم انتقاء المنتجات من الحرفيين مباشرة عبر لجان البيع والشراء الموجودة في كل وزارة، والتعاون مع الاتحاد العام.

شام الياسمين

وبالعودة إلى عربش رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية، أفاد بأن البلدان المجاورة لا تملك شيوخ كار، وهم يفتقدون اليد الخبيرة، وما انتشار التجار اللبنانيين في الأسواق المحلية، واستقطاب الأيدي الماهرة سوى دليل على افتقادهم البداية في الإبداع التي يملكها السوري، وأضاف عربش بأن السعي لإنشاء حاضنة ستساهم في عودة الكثير من الحرفيين بشكل أكبر، وبسبب حالة الأمان التي كانت سائدة قبل الحرب، أشار عربش إلى عدم لحظ الحكومة أهمية الحرف التراثية التي تزاول عملها في العشوائيات ومناطق المخالفات، إلا أنه وخلال الأزمة بدأ الشعور يسري بأن خسارة التراث السوري باتت وشيكة، وهنا جاء الاهتمام من أعلى المستويات– بحسب تعبيره- برأي رئيس الجمعية الحرفية، بأن الدعم بمرحلة إعادة الإعمار يجب أن يشمل الحرف التراثية عبر إيجاد الحواضن بشكل أوسع، معرّجاً على العقد الموقع مع محافظة دمشق شرق باب شرقي لتخصيص قطعة أرض تحت اسم شام الياسمين للتأهيل المهني، وهي تجمع 33 حرفة، وتتضمن أسواقاً يمكن للحرفي بيع منتجاته فيها، آملاً تفعيلها بأسرع وقت ممكن.

تميز ومقدرة

وأثناء الوقوف والبحث عن مشاكل الحرفيين صادفنا بعض الحرفيين الذين تميزوا بمقدرتهم على أن يكونوا حرفيين من جهة، وورش صيانة من جهة أخرى، ولكي تأتي القصص على لسان من كان بها خبيراً، التقينا الحرفي عبد الكريم الرفاعي، صاحب مهنة خراطة محركات وكولاسات سيارات، فأشار إلى أن لبنان والأردن وتركيا استقطبت العمال أصحاب الأيدي الراقية الذين تأسسوا وتعلّموا أصول الحرف المهمة على أيدي الأجداد وشيوخ الكار، وكيف يجبرونهم بنهاية المطاف على ترك العمل مكرهين، وعرّفنا على عبد الحميد حارس، اختصاص خراطة وتشكيل معادن، والذي أوضح أنه لم يقف مكتوف اليدين أمام الحرب والعقوبات الاقتصادية، بل اختبر قدرته في التصنيع ليغدو الأول والوحيد في الشرق الأوسط القادر على إعادة تعديل وتأهيل الآلات و”المكنات” ذات المنشأ الأوروبي، كمجلخة دسكو فولان، ومنعمة السليندر، وهي آلات ضخمة وأساسية في صنع السيارات قام حارس بتصنيعها في ورشته الصغير، وساهمت بذلك وفرة المواد الخام، وهي تكلّف في حال استيرادها من ايطاليا 20 ألف يورو، وبعضها 12 ألف يورو، وبيّن حارس أن الأزمة تسببت بتعطيل  “المكنات” وتدميرها، وكانت تحتاج إلى إعادة تأهيل من الشركات الأم، إلا أنه تمكن من تصليحها، مبدياً استعداده لإعادة تأهيل أية آلة مشابهة دون الحاجة للاستيراد.

ذهبيات

ولم تقف الحرب ومشاكل الحرفيين عائقاً أمام حصاد الميداليات، حيث أكد عدنان تنبكجي، شيخ كار في الفنون اليدوية التراثية، امتلاكه أكثر من امتياز دولي، حيث حصل العام الماضي على الجائزة الأولى في موسكو، ومنذ فترة قريبة حصد باسم سورية الميدالية الوحيدة التي تعتبر ذهبية بمعرض الجزائر فيما يخص الحرف اليدوية التقليدية عن الاتحاد العام للحرفيين وشيوخ الكار، ووصلت الجوائز التي حصل عليها الحرفي السوري خلال الحرب في المعارض الدولية إلى 9 ذهبيات.

سرعة الأداء

الخطوات التي اتخذها الاتحاد العام للحرفيين مع المعنيين غاية في الأهمية، والاقتداء بتجربة الصين بإنشاء الحواضن للملمة شتات الحرف جاء في مكانه، فالحرفي لاقى ما لاقاه في الخارج، وعاد إلى وطنه آملاً احتضانه والوقوف معه، ونعتقد أن حرفنا التراثية التي يشهد عليها العالم بجمالها وخصوصيتها تستحق هذا الاهتمام، ولكن يبقى الوقت سيد الموقف، وسرعة الأداء، بإنجاز الحاضنة، وياسمين الشام وغيرها حاجة لابد من تسهيل أمورها بكل الإمكانيات.

نجوى عيدة