ثقافةصحيفة البعث

تاريخ القراءة.. حكاية حب بين الإنسان والكتب

 

القراءة هبة منحت للإنسان، هي غذاء الروح فمن خلالها ينمو الفكر والمعرفة، ومن خلالها نستطيع الاكتشاف والبحث عن المجهول، بها نمتلك القدرة للتوغل في عوالم مجهولة القراءة لها القدرة على منح الشعور بمعرفة الحياة، فكيف لو استرجعت الماضي وعرفت كيف كانت البداية لهذه الهبة العظيمة، ومن أجل تلك الفرادة التي تتمتع بها عملية القراءة أفرد الكاتب الأرجنتيني آلبرتو مانغويل كتاباً بعنوان “تاريخ القراءة” يتحدث فيه عن تاريخه مع القراءة وتاريخ القراءة ذاته محاولاً وصف العلاقة مع الكتاب من وجهة نظره كقارئ، فنجد في الكتاب عرضاً لتاريخ الطباعة ومراحل تطور شكل الكتاب، ومتى أصبح في متناول الجميع بعد أن كان ملكاً لطبقة معينة، عن أشهر القارئين، وأشهر الكتاب والكثير من المعلومات التي توصل إليها الكاتب والاقتباسات والكثير من الكتب التي يدل عليها مانغويل ويحرض القارئ على قراءتها.

كانت البداية بعنوان “الصفحة الأخيرة” والتي من خلال أسطرها يستطيع القارئ أن يتعرف على السيرة الذاتية للكاتب وتجاربه الخاصة فهو يخبرك عن أول كلمة قرأها، وعن ذكريات طفولته مع خيوط الكتب السحرية، ويروي العلاقة التي ربطته بالكاتب العظيم بورخيس الكفيف في شيخوخته، فكان مانغويل يقرأ له أيام كان شاباً صغيراً ‏لمدة عامين كاملين.

بعد ذلك يبدأ بِشرح فعل القراءة في الباب الأول وفي بداية هذا الباب تحدث عن (قراءة الظلال) شارحاً تركيب العين ودورها في ذلك، كيف تلتقط الحروف من الكتب فنقرؤها، مع تنويرِنا ببعض النظريات عن خلق العين التي طرحت في العصور الوسطى وما سبقها وما تلاها، ثم يأتي دور(القراءة بِصمت) وكيف كانت غير مألوفة في زمن كان المرء يقرأ بصوت عال. ويتساءل الكاتب إذا كانت القراءة بصوت مسموع منذ بداية الكتابة هي القاعدة المعتمدة فيا ترى كيف كان الحال في المكتبات القديمة الكبيرة؟!، بعد ذلك يدور الحديث عن ذاكرة الإنسان وعملية التذكر في فصل (كتاب الذاكرة) مستشهداً بمواقف وأقوال بعض العلماء في هذا الصدد، كذلك ذكر بعض ما يمكن فعله لدعم الذاكرة أثناء استرجاع المعلومات، ثم (تعلم القراءة) بأنواعها والقدرة على تخزين المعلومات في الذاكرة، ما هي طقوسها وكيف بدأ التوصل إلى تلك المواهب، ثم ينتقل إلى (قراءة الصور) وكيف كانت بدايات الكتب المصورة، تليها (القراءة على الآخرين) وكيف يعود فن تلاوة النصوص إلى تاريخ طويل مليء بالتقلبات، وكيف أصبحت ضرورية في العصور الوسطى قبل اختراع طباعة الكتب، بعدها يتطرق إلى (شكل الكتاب) وأهميته، وكيف كان القراء منذ البداية يحبذون كتباً بأحجام مطابِقة لأغراض استعمالها، ومراحل تطور شكل الكتاب من ألواح الصلصال إلى الكتاب الورقي الذي نستخدمه الآن، وينقلنا الكاتب إلى (القراءة الوحدانية) مستعرضاً فيها وضعيات القراءة الشيقة وكيف تختلف الوضعية مع نوع كل كتاب وتملّكِ القارئ لكِتابهِ والطّريقةُ التي يتلذذ بِها فيه، ويختم هذا القسم مع (مجازات القراءة) فيتحدث فيه عن سيرة “ولت ويتمان” وبعض أقواله بالإضافة إلى أن بعض الكتاب الذين استخدموا التعبير المجازي في أيام شيوعِه.

في الباب الثاني تحدث الكاتب عن سلطان القارئ، فنذهب إلى بابل ليخبرنا عن تاريخها وتاريخ الكتابة هناك، ثم يسير بنا من بابل إلى الإسكندرية منذ تأسيسها وكيف كان الاسكندر مولعاً بالقراءة، لحقه الحديث عن مكتبة الإسكندرية العظمى، بعدها يحدثنا عن (قراءة المستقبل) الغيب والعرافات، وبعدها يخبرنا عن (القارئ الرمزي) والعلاقة بين الكتب وقارِئها، ثم (القراءة خلف الجدران) تليها (سرقة الكتب) شارحاً لماذا كانَ الثوار ينهبون المكتبات الخاصة، ثم يتطرق للحديث عن (الكاتب كقارئ) وكيف يولّد الكتّاب كتّاباً آخرين، ينتقل بعدها لشرح دور (المترجم كقارئ) وكيف أن الترجمة أصفى عملية يمكن من خلالها التعرف على العبقرية الأدبية، ثم (القراءة الممنوعة) وكيف كان يمنع الرقيق من القراءة بل ويعاقب من يتجرأ ويتعلمها منهم بصفتهم عبيد.

في فصل (الولع بالكتب) تطرق الكاتب إلى النظارات لمن يعانون من قصرِ النظر، فنتعرف إلى مخترع النظارات وبدايات اختراعها وندرتها الشديدة في ذاك الزمان حتى أصبحت شائعة، وذكر صفات الشخص المولع بالكتب وكيف كان يصنف وأتى على ذكر بعض القصص عمن كانوا مولعين بها.

في نهاية هذه الرحلة التاريخية الشيقة يأخذنا الكاتب إلى (الصفحات الأخيرة) والتي احتوت تاريخ القراءة مرفقاً معها بعضاً من القصص القصيرة الممتعة عن أهم الكتّاب، مع السطور الأخيرة في الكتاب سيدرك القارئ أن القراءة متعة رائعة وأحد العناصر التي تربط أبناء البشر بعضهم ببعض، سنكتشف في هذا الكتاب حكاية الحب العظيم بين الإنسان والكتب.

علا أحمد