اقتصادصحيفة البعث

الكفاءة المناسبة

 

 

كشفت البرامج التي أطلقتها وزارة التنمية الإدارية مؤخراً عن افتقار الوزارات والجهات العامة إلى الخبرات والكفاءات، لا على المستويات الدنيا فقط وإنما العليا أيضاً!.
وعندما تعلن الوزارة عن بدء تدريب معاوني الوزراء والمديرين العامين..فهذا يعني أن شعار الرجل المناسب في الموقع المناسب الذي “تغنينا” به على مدى ثلاثين عاماً على الأقل كان مجرد وهم أو كلام للاستهلاك الإعلامي لم تأخذه الحكومات السابقة على محمل الجد!.
ونشير هنا إلى الآمال التي علقناها على المعهد الوطني للإدارة عند انطلاقة في بداية هذا القرن، والذي كان يهدف إلى تدريب العاملين في الجهات العامة وأصحاب الشهادات النظرية لتأهيلهم لتقلّد المناصب العامة وخاصة معاوني الوزراء والمديرين العامين.. ترى هل يسمع أحد اليوم عن هذا المعهد أو ماذا قدم من خبرات؟.
لا نقلّل من أهمية خطط وزارة التنمية الإدارية.. بل هي في غاية الأهمية وضرورية جداً، فالكل يحتاج إلى التدريب واكتساب مهارات جديدة في عالم يتغيّر بسرعة رهيبة.. ولكن السؤال: من يدرب من؟!.
رئيس تحرير مطبوعة عربية شهيرة كان محاضراً في كلية الإعلام اللبنانية يدرّب الطلاب على أساليب صناعة “القصة الصحفية” كان يُلزم المحررين “المخضرمين والمشهورين” في مطبوعته بحضور مادته النظرية المقرونة بالتدريب العملي!.
وخاطب الطلاب المستجدين في مهنة الإعلام المندهشين من وجود حشد من المحررين المتمرسين على مقاعد الدراسة: لا تستغربوا ما من صحفي إلا ويحتاج إلى التدريب.. أنا نفسي أزور سنوياً كبريات الصحف العالمية والمعاهد لأطلع وأتعلم وأتدرب.
ما نريد قوله: إن برامج وزارة التنمية الإدارية لتدريب معاوني الوزراء والمديرين العامين ليست مستهجنة، كما رأى البعض الذي يرتعب من الجلوس على مقاعد الدراسة لتعلم الجديد في مفاهيم الإدارة الحديثة!.
ولكن السؤال: إلى أية درجة يفتقر فيها متقلدو المناصب العامة للخبرات والمهارات..؟.
وهذا يقودنا إلى سؤال آخر: ما شروط التعيين في المناصب العامة..؟.
لن يستغرب أحد إذا قلنا إنه ما من شروط لتبوء أي منصب عام له علاقة بالخبرة والكفاءة.. والنزاهة أيضاً!!.
خذوا مثلاً القطاع الخاص.. هل قرأنا يوماً عن إعلان له يطلب فيه تعيين مديرين أو عاملين دون شروط محدّدة تتناسب والمناصب المطلوبة لشركته الجديدة أو القديمة؟.
وبالمقابل: هل قامت وزارة ما حتى الآن بتحديد الشروط المطلوبة لشغل إدارات مؤسساتها وشركاتها؟!.
إن ترجمة “الرجل المناسب في الموقع المناسب” تتطلّب أولاً وقبل أي شيء آخر تصنيف الوظائف العامة من معاون الوزير إلى أدنى منصب إداري، وتحديد الشروط المطلوبة لكل منصب.. وهذا لم يحدث حتى الآن لأسباب ليست خافية على أحد!!.
مهما يكن من أمر فإن إطلاق وزارة التنمية الإدارية لبرامج تدريب معاوني الوزراء والمديرين العامين جيدة جداً ومطلوبة وضرورية. كما أن سعي الوزارة لإطلاق التدريب للجميع ومنح شهادات باختصاصات مختلفة أيضاً في غاية الأهمية.. ولكن الأهم والأجدى أن تعمل الوزارة بالتنسيق مع الوزارات الأخرى على تصنيف وتوصيف الوظائف العامة في الدولة وتحديد الشروط المطلوبة لكل وظيفة مهما كبرت أو صغرت. وإذا لم نفعل ذلك.. فسيبقى تطبيق مبدأ “الرجل المناسب في الموقع المناسب” شعاراً جميلاً يصلح في الخطابات الرنانة والمناسبات والاحتفالات فقط، وستبقى الجهات العامة تفتقر للخبرات والمهارات إلى أجل غير مسمّى!!.
علي عبود