ثقافةصحيفة البعث

بانتظار عودة الهيبة

 

أصعب أنواع النصوص هو ما يبنى على نهاية معروفة للأحداث، بمعنى تسلسل الأحداث الأكثر أهميّة من نهايتها المعروفة مسبقاً. كحال الجزء الثاني من مسلسل “الهيبة”، حيث منذ المشهد الأول، عُرفَ كل شيء وتلاشت كل الإشاعات التي أحاطت قصّة الجزء الثاني، وفسرت المشاهد المسربة التي أثارت تشويق محبي العمل، كيف يبقى شاهين على قيد الحياة؟ وكيف يستعيد صخر بصره؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي وجدت أجوبة فوريّة، وكما وعد أبطال العمل خلال إطلالاتهم الإعلاميّة منذ بداية العام، كثير من الإثارة والكثير من المفاجآت.

ولن نتطرق للعمل ككل، ذلك أنه من الأعمال الأنجح جماهيرياً في دراما رمضان العام الماضي والحالي، وهذا النجاح يحتم علينا احترام عقلية المشاهد التي بحثت ربما عن جديد في درامانا ووجدت ضالتها في ابن شيخ الجبل. لذا سنوجز الحديث ببعض التفاصيل التي وجب مراعاتها والانتباه إليها، لأننا أمام الجزء الثاني من العمل.

أولاً، سننوه بأمر يلعب الدور الأساس بالنهوض بأي عمل على الإطلاق، وهو الممثل النجم، فرغم اكتظاظ العمل بالنجوم وفي مقدمتهم سيدة الدراما السورية منى واصف، يبقى تيم حسن الحامل للعمل، فشخصيّة “جبل” هي الأكثر تأثيراً بالشارع العربي، وهي تقريباً بشكل مقصود أم لا الشخصية الوحيدة بلا ثغرات تذكر.

الحسن الذي تميّز وأبدع وأمتع بدوريه في مسلسلي “أسعد الورّاق” العمل الشامي الذي أضحى من التراثيّات ومقارنته بغيره من أعمال البيئة الحالية التي تشذّ عن الواقع والتاريخ أمر غير وارد، ومسلسل “الملك فاروق” الذي أفرده زعيماً في قلوب المصريين، فاتحاً الباب أمام عديدٍ من الممثلين السوريين للمشاركة من جديد بأعمال الدراما المصريّة، ظهرَ بكامل لياقته البدنية وبدا واضحاً اهتمامه بهذه الناحية أكثر من الجزء الأول، وتابع اعتماده على عبارته الشهيرة والتي أضحت على كل لسان “لا تهكلو للهم” مع إضافة كلمة جديدة لقاموس العنترة هي “مِنتهِية”.

نأتي الآن إلى ذكر أهم مواطن الضعف في هذا الجزء، قصّة رجل أبو سلمى وعنترته على أهالي الهيبة، فأين بيت “السعيد” المتمردين دائماً على كل صغيرة وكبيرة. والغريب أنّ أبو نضال زعيم آل السعيد بعد موت أخيه سالم، يعمل بـ “دكانة” هي نفسها التي عمل فيها ابنه نضال في الجزء الأوّل حيث ظهر فيه أبو نضال لمرّة واحدة بسيّارة فخمة وحرس ومرافقة.

وأحد أكثر العيوب التي انتقد فيها الجزء الأوّل وخاصة من جانب المتلقي اللبناني، “لكنة” أولاد سلطان، وكان التبرير دائماً أن الأم سوريّة وهي التي ربتهم بقوّة ومنعت تأثرهم بالبيئة المحيطة (وطبعاً هو تبرير غير مقنع) وانتفى بوجود شخصيّة سلطان في الجزء الثاني الذي تجري أحداثه قبل ثلاث سنوات فقط على أحداث الجزء الأوّل، أي أن الأولاد المتربين في لبنان ومن أب لبناني وترعرعوا ضمن بيئة تعتز بتاريخها، لا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن يتكلموا اللهجة السوريّة، والغريب أن العديد من الممثلين مثلوا بلهجات مختلفة فلما هذا التخريب في الوقائع، والمستهجن أكثر أن الممثلين اللبنانيّين وجدوا صعوبة في إتقان لكنة الهيبة في الجزء الأوّل وبدت مصطنعة جداً، لكن مع ذلك كانوا أفضل حالاً وبكثير من نخبة نجوم الدراما اللبنانية الذين شاركوا في الجزء الثاني يتقدمهم عبد المجيد مجذوب ورفيق علي أحمد.

ظهرت العلاقة بين أولاد العم في الجزء الأوّل، بالرغم من الأحداث المفترض حدوثها في الجزء الثاني، قويّةً لا تهزها المحن إلى نهاية الجزء، لكن ما شاهدناه في الجزء الثاني إلى الآن يفسر خيانة شاهين فيما بعد وثورة منى على أهلها (زواجها بدون رضاهم التام).

السلاح المستخدم أكثره من المعسكر الغربي بالجزء الأوّل ومن المعسكر الشرقي في الثاني، وهذا تناقض كبير، يدلّ على تحويل تفكير المخرج بما يخص ولاءات “الهيبة”. وبالحديث عن الإخراج، ليس مقبولاً أن نرى عملاً قائماً على العنف والقوة وفيه الكثير من المواجهات، ألّا نطور من طريقة تصويرها وخاصة أن أغلب محبي المسلسل يتلهفون لمثل هذا الحادث، لا بل نستطيع القول إن مواجهات الجزء الأول أفضل إخراجاً من المواجهة الأولى في الجزء الثاني بين آل السعيد وآل شيخ الجبل. ثمّ كيف يكون هناك ملف كامل لجبل لدى الأمن العام اللبناني وهم يريدون القبض عليه بأي ثمن، وكما في الجزء الأول، ساعة يريدون مداهمته وساعة يعرفون مكانه ولا يقومون بشيء.

هناك أيضاً زوبعة الانتقادات التي أحاطت إدخال الأزمة السوريّة بالمسلسل من خلال الإشارة إلى تهريب السلاح إلى سورية، وهذا لم يكن وارداً قبلاً، فأحداث الجزء الأول لم تكن تعني بالضرورة أن التجارة بالسلاح تعني تهريبه إلى سورية، ثم هناك التنويه في بداية الحلقات، أن زمان ومكان وشخصيات العمل من نسج الخيال فقط!.

قد يختلف رأي الشارع عن رأي النقاد ولكن هذا لا ينفي أو يؤثر على حقيقة نجاح العمل الذي حظي بشعبيّة اقتربت من ظاهرة “باب الحارة” وهو ما شجع الكاتب والمخرج لتجاوز بعض خطوط الإنتاج الحمراء كاعتماد مواقع تصوير في سورية. وبالتأكيد موجة النقد الأكبر كانت ممن لا يألفون مثل هذه الأعمال في الدراما السورية أو الدراما المشتركة، وفي مصر مثل هذه الأعمال لا تغيب عن دراما رمضان فهي رائجة لأنها شعبيّة، وقد يعزى السبب إلى أنها “فشّة خلق” أو أحلام مراهقين وذكريات “فتوّة” للمسنين. والحق يقال، إعادة كتابة الجزء الثاني وبطريقة غير متوقعة بالرجوع بالأحداث، ضربة موفقة أعادت الهيبة لـ”الهيبة” بعد كل تلك الأقاويل والشكوك.

  سامر الخيّر