دراساتصحيفة البعث

إيران قلب المقاومة

 

ترجمة: هيفاء علي عن موقع لو غراند سوار 28/5/2018

تشهد الساحة الدولية حالياً مرحلة من التوتر والاضطراب جراء المواجهة الوحشية بين العالم الأحادي القطب القديم ، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ، والذي يرفض قبول الحقيقة الجديدة حول بروز قوى أخرى لها متطلباتها المنطقية والحق في إدارة القضايا العالمية، وبين العالم متعدد الأقطاب الذي غدا حقيقة راسخة لا يمكن إنكارها. هذه القوى الصاعدة تضم دول البريكس و تنسق الخطط الاستراتيجية والاقتصادية للوصول إلى عالم جديد من التعاون بين الدول السيادية، وبعض هذه الدول قوى نووية وأخرى كلاسيكية تمارس نفوذاً كبيراً مثل البرازيل ، جنوب إفريقيا وإيران.
بينما ترامب الذي تحركه”الدولة العميقة”، يسعى لتطبيق السياسة القسرية للاوليغارشية “السريّة” التي تحكم الولايات المتحدة فعلاً، ومضاعفة الأعمال الوحشية إزاء الدول التي تعارض هذا التفوق غير المبرر على الإطلاق عبر: توجيه ضربات لسورية بذرائع واهية وبناء على فبركة الأكاذيب، تهديد بإخفاء كوريا الديمقراطية، تدخلات عسكرية في عدة دول: أفغانستان، الصومال، واليمن مع حليفها السعودي، إفريقيا حيث تضاعف وجودها العسكري، إضافة إلى تهديد كوبا وفنزويلا بتطبيق نفس السياسة عليهما. باختصار .. تعمل الولايات المتحدة على ضمان ديمومة عالم أحادي القطب بتحريض متواصل من “إسرائيل”، التي لا تضمن وجودها إلا من خلال وجود صراع دائم مع جيرانها و تنكر الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وترتكب بحقه أعمال وحشية توحي أن هذه الدولة الخارجة عن القانون تعلم علم اليقين أنها مهددة بالأفول في أي وقت، والسياسة الطائشة التي تتبعها لا يمكنها أن تؤول إلا إلى الكارثة، للإشارة إلى هذه السياسة القسرية، انتهك ترامب مرة أخرى القانون الدولي عندما قرر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة و انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وتحميلها المسؤولية عن الإرهاب، بينما تقف في الخطوط الأولى لمحاربته، وأنها تمتلك نفوذاًَ متنامياً في الشرق الأوسط ، ما هي إلا نتيجة متناقضة لتدخلها في العراق واليمن.
في ظل هذه الأجواء الدولية المشحونة بالتوتر، انعقد المؤتمر الدولي السادس من أجل فلسطين في مدينة مشهد الإيرانية، في الفترة الواقعة بين 12و 18 أيار جمع المؤتمر باحثين و مسؤولين إيرانيين و ستين خبيراً من عشرين دولة :أوربا، أمريكا، روسيا، إفريقيا، وآسيا. لتثبت إيران من جديد أنها قطب ومحور المقاومة لاحتلال الأراضي الفلسطينية من قبل “إسرائيل”، والأهم إظهار هذا النزاع ليس مسألة دينية كما يروج لها الغرب وإنما هي حرب من أجل العدالة في أرجاء العالم قاطبةً.
كانت النقاشات والمداخلات غنية جداً حيث شرح الخبراء وجهات نظرهم التي في أغلبها تتعارض مع سياسات حكوماتهم و تقترح حلول مناسبة لهذا النزاع. ونوه معظم المشاركين إلى الفرق بين الصهيونية التي هي في صميم السياسة الوحشية للحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة و اليهود الذين يعارضون هذه السياسات الإجرامية.
مسؤولون أمريكيون سابقون من وزارة الدفاع والخارجية، ومن السي أي إيه أيضاً سلطوا الضوء على الطريقة التي توجه فيها مجموعات الضغط الصهيونية السياسة الأمريكية في الولايات المتحدة، وهي التي تتمتع بإمكانيات مالية هائلة لشراء الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين. هذه السياسة الخارجية، قبل أن تخدم المصالح الأمريكية، ترمي أولاً إلى دعم سياسة “إسرائيل”الاستيطانية التوسعّية. كما نوه المشاركون إلى أن الاتحاد الأوربي يشهد أوقاتاً عصيبة من تاريخه، ويتأرجح بين أطلسيته الراسخة منذ تأسيسه عبر الاتفاقات التي تربطه مع حلف شمال الأطلسي،الناتو، وبين مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية التي تدفعه للتوسع شرقاً والتعاون مع إيران. فمنذ الحرب الأخيرة، اعتبرت الولايات المتحدة الاتحاد الأوربي بمثابة مستعمرة يتعين عليها السيطرة عليه، في البداية ضد الاتحاد السوفيتي ومن ثم ضد روسيا. وعليه يدرك المراقبون أن القادة الأوربيين لا يعرفون كيف يتصرفون وحدهم إزاء خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، ولا يعرفون ما الذي يفعلونه لتفادي العقوبات الأمريكية ضد شركاتهم التي لديها التزامات كبيرة في إيران ولكن دون قطع الصلة مع الحليف ما وراء الأطلسي. ونتيجة ضغط الأمريكان وضغط الرأي العام في الدول الأعضاء، حيث تعرض لانتقادات لاذعة جراء توجهاته الاقتصادية، يترنح الاتحاد الأوربي حول مبادئه وأسسه، وقد آن الأوان كي يدرك أن مصالحه تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الامبريالية ، وأنه يتعين عليه التحرر من هذه الوصاية القاتلة والذليلة. ذلك أن خروج أمريكا ترامب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” هو الوقت المناسب لبناء “أوروبا الأمم” كما كان يريدها الجنرال ديغول، وإلا سيبقى العملاق الاقتصادي عاجزاً سياسياً كما بات حاله منذ توسعه الطائش. ومع ذلك يبدو أن أوروبا لن تسلك هذا الطريق، طريق الانعتاق من السيطرة الأمريكية، خاصةً عندما نرى فرنسا تؤيد الولايات المتحدة في حربها على سورية بإرسال وحدات خاصة من الجيش الفرنسي لمساندة العمل العسكري الأمريكي في محاولة لمنع أي حل سياسي للأزمة السورية، زد على ذلك، يُنتظر من الحكومة الفرنسية إدانة الجرائم الشنيعة التي ترتكبها السعودية بحق الشعب اليمني بدعم ومباركة الولايات المتحدة و بريطانيا.
التهديدات التي تلوح بها “إسرائيل” وحلفاؤها الأمريكان والخليجيون بشن الحرب ضد إيران واضحة، إلا أن استراتيجيي واشنطن وتل أبيب يعرفون حق المعرفة أن إيران اليوم أقوى بكثير على الصعيد العسكري مما كانت عليه، وحلفاءها أيضاً ، روسيا والصين أقوياء بما يكفي. حتى بدون القنبلة الذرية، بوسع إيران ردع أعدائها بالرد العاصف الذي قد تقوم به في حال تعرضت لهجوم ما. من جهة أخرى، وأثناء قيام المشاركين في المؤتمر بجولة على المناطق الإيرانية، تلمسوا تطور الخدمات الإدارية والاقتصادية، الاجتماعية و التعليمية والصحية في كافة المدن والمناطق. وشاهدوا بأم العين أن اقتصاد البلاد قوياً ونشطاً رغم العقوبات الأمريكية الجائرة، وأن مشروع ترامب الرامي إلى الإطاحة بالسلطة الإيرانية من خلال فرض مثل هذه العقوبات الاقتصادية عليها قد ولد ميتاً، فالشعب الإيراني رسخ دعمه و تأييده لحكومته العتيدة.
لقد أثبت المؤتمر مرة أخرى أن دعم الشعب الفلسطيني يجد محركه الرئيس في إيران، ولهذا السبب تعتبرها “إسرائيل” عدوها الأساسي. إيران شيدت وأسست نظاماً سياسياً ديمقراطياً يتيح لتيارات فكرية مختلفة التعبير عن وجهات نظرها. كما نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إقامة دولة قوية تحترم الرأي العام وكل الآراء الدينية وتعمل من أجل الخير للجميع. على الصعيد الدولي، عملت الحكومة الإيرانية لتفادي أي مواجهة مع دول الخليج و عرضت عليها تسويات متوازنة، إلا أن السعودية رفضتها جميعها، خاصة بعد وصول ولي العهد الجديد إلى عرش السلطة.
ومع ذلك إيران هي الداعم الأساسي للقضية الفلسطينية، وبحكم تقارباتها مع العراق ولبنان واليمن، غدت إيران قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها لحل النزاعات المختلفة في المنطقة. وهي تستند إلى دعم شعب مثقف و نظام تربوي وتعليمي متطور، وبنى تحتية قوية وصلبة تساعدها على مقاومة أي اعتداء من قبل خصومها وأعدائها مع ضمان الانتصار عليهم.