تحقيقاتصحيفة البعث

كيف نغلق بوابات الخطر المتدفق نحونا من الفضاء الإلكتروني؟!    شـــبابنـــا فــي قلـــب معمعـــة تنــــازع ســـطوة بيـــن مواقـــع الإباحـــة والتطـــرف

 

غالباً ما تكون الحلول لمشاكل الشباب منفصلة عن الواقع، فالشباب السوري اليوم يعاني ما يعانيه من صعوبات، وأمامه الكثير من التحديات التي يجب عليه التغلب عليها وتجاوزها، أليس من حق هذه الفئة المهمة جداً من المجتمع أن تحظى برعاية أفضل؟ هل استطعنا اليوم أن نتجاوز كل العقبات التي تقف في وجه وطموح الشباب، فلم يبق أمامنا من مشكلات سوى مشكلة المواقع الإباحية التي قامت وزارة الاتصالات بحجب 160 موقعاً منها في سورية؟ ولماذا تم السماح لهم بالأساس منذ البداية بالتواجد أصلاً، والآن اتخذ القرار بمنعهم؟ الفكرة هنا أننا بالتأكيد لا نشجع على متابعة مثل هكذا مواقع حتى لا يتم الاصطياد بالماء العكر، ولكن أليس من الأَولى أن نبدأ من نقطة الصفر، أي العمل على تأسيس جيل متوازن نفسياً، وجسدياً، وعاطفياً، وللعمل على تحقيق هذا الأمر بالغ الأهمية يتوجب علينا أن نبدأ من المراحل العمرية المبكرة، وصولاً إلى المدرسة والجامعة.

“مازن ع” أحد الشبان الذين تحدثوا عن وضعهم النفسي الذي وصل إليه، والذي كان نتيجة عزلته وهروبه من واقع الحرب الذي دفعه لمتابعة مثل تلك المواقع التي أودت به إلى حالة من الاكتئاب كادت توصله إلى التفكير مراراً بالانتحار، يقول مازن، وهو طالب جامعي: الاكتئاب توغل إلي بكل هدوء، في البداية تشعر أنك تعاني حتى مع المشاكل الصغيرة التي تواجهك، لكنك تختار أن تتجاهلها، إنه مثل الصداع، تقول لنفسك بأنه مؤقت وسوف يزول، وربما هو مجرد يوم آخر سيىء، لكنك تكتشف فيما بعد أنك عالق في هذه الحالة النفسية، وتعتاد على ارتداء قناع اجتماعي تختبئ خلفه لكي تواصل العيش مع الآخرين، لأن هذا ما يجب عليك فعله، وهذا ما يفعله الآخرون أيضاً، ما يجعلك تسقط إلى عمق أكبر، ويجعلك تبدأ بالابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، وأحياناً تعزلهم تماماً من حياتك، الشعور بالراحة منعدم لأن الأشياء الصغيرة التي كانت تجلب لك السعادة لم تعد لها قيمة، حتى أبسط المهمات أصبحت مؤلمة، لهذا السبب ليس لديك محفز في حياتك، لماذا تستمر في المحاولة في الحياة إذا كان لا شيء يشعرك بالسعادة، أياً تكن هذه الأفكار تجعلك تشعر بالأسى فتصبح عالقاً في دائرة مفرغة، فجأة تجد الحياة أصبحت بطيئة الحركة، والأيام أصبحت متشابهة، مجرد ضوضاء، وشعور بالثقل يملأ عقلك، ويجثم فوق جسدك، وتشعر أنك لن تكون سعيداً أبداً، أصبحنا مدركين لحجم الفجوة بيننا وبين العالم المحيط بنا، احتقار الذات، وانعدام الطموح، شعوران يصبحان غير محتملين، وفي النهاية تدرك أنك لا تستطيع الاستمرار بهذه الطريقة، وخياراتك أصبحت أقل يوماً بعد يوم، ويضيف مازن: لقد وصلت إلى هذه الحالة المزرية بسبب تلك المواقع، لأنني وبسبب الحرب انقطعت عن العالم الخارجي، خاصة أنني أعيش بمفردي مع أبي، لم أجد أية وسيلة تخرجني من حالتي، وها أنا اليوم مثقل بالتعب، أنا أنصح كل الشباب أن يبتعدوا عن تلك المواقع لأنها تدخلك بحالة مأساوية، ولكن أتمنى أن نحصل على اهتمام أكبر، وأن تكون هناك حياة جامعية مليئة بالنشاطات.

 

مفارقة غريبة

أقرّت الحكومة السويدية قراراً يخص نشر الثقافة الجنسية لدى القادمين الجدد إليها، جاء بعد دراسة استقصائية قامت بها مؤسسة محلية لمكافحة التحرشات الجنسية التي كانت تتزايد خاصة بين اللاجئين، وهنا أتينا على ذكر هذا الموضوع من أجل  المقارنة بين الأساليب والحلول التي تتخذها دول متقدمة كالسويد وألمانيا على سبيل المثال، ما يمكننا من الاطلاع على الآليات والحلول المتخذة في تلك المجتمعات، والغريب أن هناك دائماً من يدعي أننا مجتمعات محافظة، ولا تقبل مثل هذه الحلول، والسؤال هنا أن معظم من يخضع لتلك القوانين ويطبقها منحدر من “مجتمعات محافظة”، فكيف نتقبّلها هناك ونرفضها في مجتمعنا؟!.

 بدائل وحلول

أستاذة الفلسفة في جامعة دمشق رشا شعبان تحدثت عن الخطوة المتعلقة بحجب المواقع الإباحية  قائلة: المشكلة هي مشكلة الكبت الذي نعاني منه، والصورة المشوّهة للعلاقة بالجنس، مع تأكيدنا أن تلك المواقع لا تعرض الثقافة الجنسية التي يجب أن تكون، والتي هي نتيجة طبيعية لبقاء الإنسان، وهنا نحن بالتأكيد لا نشجع على متابعتها، ولكن نريد معالجة هذه المظاهر، لأن المشكلة لدينا أننا نعالج مظاهر الظاهرة من دون معالجة الأسباب، وكأننا ندفع بالشباب لمتابعة هكذا مواقع عوضاً عن البحث عن طريقة مناسبة، ما سيدفعهم للفضول أكثر من باب كل ممنوع مرغوب، المشكلة أننا نعالج تقنيات ظواهر، ولا نعالج طرائق تفكيرنا، فعلى سبيل المثال هكذا مواقع لا تُحجب إلا في الدول العربية، بينما الدول الغربية لا تحجبها، وهذا ما يؤكد أننا نعالج ظاهر المشكلة وليس باطنها، مضيفة أن وجود هذه المواقع مدروس من أجل هدف محدد هو تدمير العلاقات الاجتماعية والإنسانية في مجتمعاتنا، لأن وجودها غير طبيعي، وفيها الكثير من الشذوذ، وهي عندما تعرض العلاقات بهذه الطرق الخاطئة تكون بعيدة كل البعد عن الأخلاق والإنسانية، فستسيء إلى العلاقات في المجتمع، وعادة المجتمعات المكبوتة أكثر استخداماً لها بوصفها محظورة، وهنا نعيد ونؤكد أننا لا ندعو الشباب إلى الإباحية، ولكن ندعو إلى أن يكون هناك حوار يُدار بشكل ثقافي وحضاري واجتماعي وأخلاقي حول مفهوم الجنس والنقاش والنقد، ويجب أن يعلم الشباب أن هذه المواقع موجهة خصيصاً لهم من قبل أعدائنا، وهذا يدلل على مدى استغلالهم لنقاط الضعف الموجودة تجاه هذا الموضوع، واستغلال التخلف لجذب جيل الشباب، فهذه الأساليب استخدمتها التنظيمات الإرهابية من خلال ما سمي جهاد النكاح، وتغييب العقل، ومشكلتنا أننا عادة ننمي الوازع الخارجي فقط، ونغفل عن تنمية الوازع الداخلي، والضمير الأخلاقي الذي يدعو للارتقاء بالوعي الإنساني.

مما لا شك فيه أن هذه المواقع الموبوءة تجارية وليست إنسانية، وهي تروّج لثقافة خاطئة، وهنا السؤال الذي تطرحه أستاذة الفلسفة رشا شعبان: أين البدائل؟ لابد من وجود بدائل، هذه النقطة الأولى، أما النقطة الثانية فهي: هل يا ترى هي فقط من يسيء إلى العقل العربي؟.

المواقع الدينية المتطرفة التي تثير الحقد والكراهية ورفض الآخر، وتشجع على تشويه الدين، وتُنزل فتاوى خاطئة، أليس من المفروض أيضاً أن يتم  حجبها؟ ما دور العقل الثقافي والعقل التربوي؟ ما هو دور الفلسفة التي “تنبني” عليها وزارة الثقافة، أو الفلسفة التي “تنبني” عليها وزارة التربية أو الإعلام؟ أين هذه العقول من مراقبة الكتب والمجلات، وحتى القنوات الدينية التي تدعو للكراهية؟ وبالتالي أين البدائل؟.. يجب خلق البدائل التي تجذب العقل من كل النواحي، فوجود المواقع التنويرية التي تغذي العقل والثقافة هو الحل الأمثل.

التناغم والانسجام

الشباب اليوم يحتاج إلى مراكز ثقافية تقوم بدورها بشكل فعلي، يحتاج إلى دور سينما، إلى ندوات فكرية، ومتابعة على كل المستويات، والاستماع لمشاكلهم، والاهتمام بها، وإيجاد حلول لها تلبي حاجاتهم، وتشبع رغباتهم، وتتطلع لتحقيق طموحاتهم وآمالهم، خاصة في ظل ظروف الحرب التي نعيشها، وفي ظل ما نمر به من صعوبات ومشاكل، عندها لربما نستطيع أن نعالج مشكلات جيل الشباب بتحقيق  التناغم والانسجام بين الحلول والمشكلات المطروحة حتى لا تكون حلولنا بعيدة عما يجري على أرض الواقع، ولنراهن على جيل الشباب الواعد من أجل بناء أرضية جماعية تلفظ العنف.

                                 لينا عدرة