دراساتصحيفة البعث

تحد أساسي للزعامة الأمريكية

 

عقب زيارة كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى واشنطن، تقف الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون في أوروبا وجهاً لوجه، فقرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران يثير تساؤلات حول العقوبات الأمريكية القادمة ضد الشركات الأوروبية، كما يبقى احتمال الحرب التجارية عبر المحيط الأطلسي، بسبب تعريفات الصلب الأمريكية، قائماً، علاوة على أن الرئيس الأمريكي يستعد لعقد اجتماع مع الزعيم الكوري الديموقراطي كيم جونغ أون سيكون غير مسبوق في حال حدوثه.

يرى مؤيدو ترامب، في الولايات المتحدة على الأقل، أنه سيتجاوز التحديات المقبلة، فهم يجدون فيه زعيماً قوياً، وخاصة أن ما يقرب من ثلث الأمريكيين (31 %)، بينهم سبعة من كل عشرة جمهورياً، على قناعة بأنه جعل موقف الولايات المتحدة في العالم أقوى.

إلا أن وجهة نظر أوروبا مختلفة تماماً، فالعداء تجاه أمريكا وصل إلى مستويات قياسية، ليس فقط في أوساط الرأي العام الأوروبي، ولكن أيضاً بين خبراء الاقتصاد والأمن في القارة العجوز.

وأظهرت دراسة قام بها مركز بيو للأبحاث أن وجهات النظر الإيجابية تجاه الولايات المتحدة تراجعت كثيراً، بين عامي 2016 و2017، في سبع من عشر دول أوروبية شملتها الدراسة، وكان هذا جزءاً من نمط عالمي شهد تراجعاً في صورة الولايات المتحدة في معظم الدول الـ 37 التي شملها الدراسة. وكانت التقييمات الإيجابية تجاه الولايات المتحدة ضعيفة ولا سيما في إسبانيا (31 %)، وألمانيا (35 %) وهولندا (37 %). وكان استطلاع أجراه معهد غالوب، عام 2017، حول تصورات القيادة الأمريكية في أوروبا، سجل اتجاهات ونتائج متراجعة مماثلة.

يمكن أن يعزى الكثير من هذا التراجع إلى انهيار الثقة بالرئيس الأمريكي نفسه، مقارنة مع الثقة بباراك أوباما في سنته الأخيرة في منصبه، إذ تراجعت الثقة بقدرة ترامب على القيام بالشيء الصحيح في الشؤون العالمية بنسبة 83% في السويد، و75% في هولندا وألمانيا، و70% في فرنسا، و68% في إسبانيا. وعموماً، وصل دعم الجمهور الأوروبي لترامب إلى 18% الآن، مقارنة مع 77% لأوباما.

ولا يبدي عموم الناس وحدهم شكوكهم إزاء الرئيس الأمريكي الحالي، فقد كشفت دراسة أخرى أجراها مؤخراً مركز بيو للأبحاث، وشملت 237 من قادة الفكر الأوروبي، بالمشاركة مع صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة، عن تقييمات قاسية للرئيس الأمريكي وللعلاقات عبر الأطلسي. وأظهرت الدراسة أن 12% فقط أعربوا عن الثقة بأن ترامب يفعل الشيء الصحيح فيما يتعلق بشؤون العالم، وأن ما يقرب من 6 من كل 10 يعتقدون أن العلاقات الاقتصادية والأمنية بين ضفتي الأطلسي قد ازدادت سوءاً في الأشهر الـ 12 الأخيرة، في حين أن 8 من كل 10 يعتقدون أن العلاقات الدبلوماسية قد تضررت.

وأكد العديد من قادة الفكر الأوروبي عدم رضاهم عن سياسات إدارة ترامب، إذ يعتقد 8 من كل 10 خبراء في السياسة الخارجية والأمن الأوروبي أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس سوف يجعل من الصعب حل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويرى 7 من بين كل 10 أن مقاربة إدارة ترامب تجاه إيران كانت مسيئة للاستقرار في المنطقة، ويعتقد 6 من بين كل 10 أن طريقة تعامل واشنطن مع بيونغ يانغ جعلت التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج الأسلحة النووية لكوريا الديموقراطية أقل احتمالاً. وقد أجري الاستطلاع قبل أن يعلن ترامب نيته عقد قمة تجمعه مع الزعيم الكوري الديموقراطي، وحَملت نسبة مماثلة من قادة الفكر الأوروبي الرئيس الأمريكي مسؤولية عدم اتخاذه موقفاً صحيحاً في تعامله مع روسيا.

أكثر من عام مرّ على إدارة ترامب، والاختبارات الدولية التي تواجه الولايات المتحدة تزداد خالقة معها المزيد من التحديات أمام الولايات المتحدة، كأكبر قوة في عالم اليوم. وفي وجه مثل هذه التحديات، يمكن لأمريكا، وهي تحاول إقناع العالم بقيادتها، أن تأخذ جرعة صحية من أصدقائها وحلفائها. مع ذلك، وبخلاف ما يعتقده الجمهوريون في الولايات المتحدة حول مكانة بلدهم الدولية، فقد لا تتمكن أمريكا بسهولة من جمع دول أخرى تؤيدها، فالنظرة الإيجابية تجاه الولايات المتحدة ورئيسها، خصوصا في أوروبا، تتراجع، وإعادة بناء المشاعر المؤيدة للولايات المتحدة والثقة في القيادة الأمريكية قد يكون التحدي الأهم، والأكثر جوهرية الذي يواجه إدارة ترامب في القادم من الأيام.

عناية ناصر