الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أطفال في مواجهة الحرب

سلوى عباس
“الأسرة في مواجهة الحروب” برنامج بث عبر شاشة إحدى الفضائيات التي استباحت دماء الناس وأمنهم وأمانهم في الحروب التي اشتعلت في منطقتنا العربية لسنوات سبع، وخاصة الأطفال الذين تحدثت عنهم مقدمة البرنامج بكثير من الأسى والألم لما تعرضوا له من أذى، وبكل ما تمتلك من مقدرة على تقمص الحالة توجهت لضيفها المتخصص بالطب النفسي تستعطفه أن يقدم إرشاداته للأسرة في مواجهة الحروب وإبعاد الخوف عن قلوب الأطفال، ولكن ربما نسيت هذه المذيعة أن برنامجها هذا جاء متأخراً زمناً عن وقتنا الحاضر، حيث لا سلام نعيشه حتى نتحدث فيه عن الخوف، بل الخوف أصبح خبزاً يومياً نقتات عليه كباراً وصغاراً، وقد عاش أطفالنا الخوف قبل أن يدركوه، فكيف نحدث طفلاً استهدفته رصاصة غادرة وهو في حضن أمه عن الخوف، وماذا نقول لأطفال عانوا من ويلات الحروب ما قتل لديهم كل إحساس بالخوف واغتصب منهم براءتهم.
في كل يوم من أيام هذه الحرب القذرة كان أطفالنا يسجلون دروساً في مواجهة الخوف الذي رضعوه مع حليب أمهاتهم، نراهم يرفعون بأيديهم شارات النصر رغم القذائف التي كانت تنهمر عليهم.. هؤلاء الأطفال جميعاً وعلى امتداد الحروب التي عانتها وتعانيها بلداننا كيف لنا أن نقنعهم أن الخوف يمكن أن يحارب بالكلمة.. خاصة وأن الظرف الأمني لمجتمعاتنا لا يتناسب مع برنامج كهذا- على أهميته في ظرفه المناسب- وكيف للأطفال الذين استفاقوا على الحياة وحراب الموت مشرعة في وجوههم أن يتناسوا الخوف.. وهل هناك أقسى من هكذا خوف يتربص بهم ويحدق بقلوبهم.. والأهم من ذلك أن رجال المقاومة على امتداد ساحة الوطن العربي هم أبناء هذا الخوف الذي كان حافزهم للذود عن أوطانهم.. وبعد ذلك تتحدث عن الخوف.
هؤلاء الأطفال الذين أثاروا شفقة تلك المذيعة كانوا ككل أطفال العالم في المساء يعانقون ألعابهم، ويذهبون إلى أسرتهم يحلمون بملاعبهم الوسيعة، يرسمون في فضاءاتهم أغانيهم وأفراحهم، لكن لم يخطر ببالهم للحظة أن صاعقة من النار سوف تحل عليهم وتقتل الحلم في أعينهم وتسرق البسمة من شفاههم المنداة بكلمات وداعهم لأهلهم يتباركون فيها قبل ذهابهم إلى النوم.. نومهم الأبدي.
أطفال كثر بكر الصباح عليهم كما بكر على أمهاتهم اللواتي لم يمهلهن القدر للطمأنينة عليهم، فقد كانت الصباحات سوداء معمدة بدمائهم البريئة.. هؤلاء الأمهات اللواتي ينهضن كل صباح لينفضن عن جفونهن دموع فجيعة سابقة عشنها في صباح أليم مضى، لم يخطر ببالهن أن صباحاتهن الدموية ستتكرر ليتجرعن حرقة الألم والحسرة نفسها.
مدن كثيرة لم تلتئم جراحها بعد، ولم تنهض من مخاضها النازف حيث تستفيق كل يوم على جرائم أكثر حقداً ووحشية.. جرائم مباركة من قبل حكومات تدّعي أنها ترفع راية السلام والديمقراطية، ذلك السلام الذي يرسمونه بدماء الضحايا من النساء والأطفال الذين سقطوا دفاعا عن أوطانهم في بلدان عربية، وبما انه لا يليق بهم أن يمارسوا ديمقراطيتهم بأنفسهم فإنهم يعمدون إلى تكليف ربيبتهم إسرائيل والمتحالفين معها من حكومات وظفت كل إمكاناتها وأموالها من أجل هذه المهمة ويبقون هم وراء أقنعتهم يتسترون بستار الزيف والخديعة التي أصبحت مكشوفة للعالم أجمع.. ومع كل ذلك.. وبكل وقاحة وتبجح تتصدر تلك المذيعة الشاشة وهي تتباكى على أطفال خطفتهم الحروب من أحلامهم وملاعبهم الطفولية، لكنهم لم يستكينوا للخوف أبداً، وإرشادات هذا الخبير ربما يكونون هم بحاجتها أكثر.