تحقيقاتصحيفة البعث

الدراما التلفزيونية ومسابقات رمضان.. استحواذ على اهتمام الناس.. واستثمار بأحلامهم

 

المسلسلات والمسابقات في شهر رمضان سمة أساسية لا يمكن لموسم رمضاني أن يمر دونها، وكما في كل عام يحتدم الصراع على عرض الأفكار، والبرامج، والأعمال الدرامية في هذا الشهر الذي يحرص الكثيرون فيه على ملازمة منازلهم، أو تقليل خروجهم قدر المستطاع، ليكونوا أمام حيرة وإرباك في اختياراتهم لانتقاء مسلسل، أو متابعة برنامج يقدم الفائدة والترفيه والتسلية، لكن أنماط المشاهدة لم تعد كما كانت في السابق في مجتمعنا، فالأحداث التي مررنا بها تركت أثراً ملحوظاً في المجتمع السوري، كما انعكست على واقع شركات الإنتاج والدراما، ونوع الأعمال المقدمة، والروابط الأسرية لم تعد مستقرة كما كانت، وكذلك الظروف المعيشية لم تعد نفسها، وهذا الأمر ترك أثره أيضاً على متابعة المسلسلات والبرامج، في وقت تبحث فيه معظم العائلات السورية عن حاجات يومها في ظروف اقتصادية صعبة.

بحثاً عن “الكاش”

قبل الحديث عن واقع الأعمال الدرامية، يبدو أن برامج المسابقات حظيت هذا الموسم بنسب متابعة مرتفعة، ما يعكس الرغبة الشديدة لتحصيل ربح سريع يساهم في تحسين الأحوال المعيشية عند معظم العائلات التي عانت وتعاني آثار الحرب والأزمة، مع ملاحظة انتشار نمط جديد من المسابقات، وهي مسابقات صفحات التواصل الاجتماعي التي تكون دعائية بمعظمها، وهدفها نشر وترويج منتجاتها، حيث تبحث تلك الصفحات عن طرق لزيادة متابعيها عبر الطلب من المتسابقين ترك التعليقات والإشارات لأصدقائهم، وتكون الجائزة من نصيب أكثر مروّج وصانع دعاية لتلك الصفحات، وهذه الطريقة إن كانت تشجع بعض المشاركين، وتتركهم في سباق محموم بالتعليق والنشر لصالح هذه الصفحات بحجة أنها لا تتطلب أي مقابل، لكنها تكون محط استياء من البعض الذين لا يرون في هذه البرامج وغيرها، سواء على صفحات التواصل الاجتماعي، أو على شاشات التلفزيون، إلا طريقة ذكية للترويج، أو الاحتيال على المشترك، وتركه يعيش مع أمل الربح والانتظار، وتقديم كل ما لديه في سبيل ذلك كما في مسابقات أخرى، ويعبّر آخرون عن استيائهم من الرسائل المستمرة التي تصل لجوالاتهم، وتطلب منهم الاشتراك في برامج المسابقات مقابل مبالغ مالية بسيطة، لكن السؤال الذي يطرحه هؤلاء: هل فعلاً لدينا أمل بالربح في ظل عدد المشتركين الهائل الذين يرسلون ويتواصلون مع تلك البرامج؟! وهل هذه الرسائل ستقودنا للربح و”الكاش” فعلاً، أم هي وسيلة فقط لتحصيل المكاسب من كلفة الرسائل؟!.

دراما نمطية

من ناحية أخرى يبدو أن الأعمال الدرامية أيضاً لم تختلف كثيراً هذا الموسم عن المواسم السابقة، فكانت معظم الأعمال امتداداً لأعمال عرضت في وقت سابق، وتتفق معظم آراء المتابعين لدراما رمضان بأن الأعمال الجديدة وبعض المسلسلات لن تكون في أفضل الحالات إلا انعكاساً لواقع معاش يعرفه الناس ويعيشونه، يقول لؤي، أحد الشبان المتابعين للدراما: الناس تشاهد المسلسلات اليوم وأفكارها في هموم الحياة والأعباء المعيشية، في المقابل يتحدث البعض عن حالة الملل من الأعمال التي تكرر نفسها، وتعيد خلط الأحداث وتدويرها في بيئة نمطية ملّ المشاهد منها، فتتحدث نسرين مثلاً، وتخصص بكلامها “مسلسلات البيئة الشامية”، وتقول: رغم تأجيل عرض الجزء العاشر من مسلسل باب الحارة الذي كلما اعتقدنا انتهاءه يأتي إلينا منه جزء جديد، لكن أعمال البيئة الشامية تعاد في أعمال أخرى مثل مسلسل حريم الشاويش، والناس ملّت هذا النمط من المسلسلات، أما عماد الذي لا يحب المسلسلات عموماً فيقول: الاهتمام بمشاكل الآخرين ليس من اختصاصي، لا شيء يجعلني أتسمر أمام شاشة التلفزيون يومياً، لذا أحس أني لا أنتمي لهذا المجتمع، أو بعبارة إحصائية خارج التصنيف، كل الأحاديث التي تمدح أو تنتقد مسلسلاً معيناً، أو العادات التي ترسّخها أنماط المشاهدة، تبدو “بالصينية” بالنسبة لي.

كوميديا غائبة!

في المقابل، ورغم عرض عمل كوميدي هذا الموسم، وهو مسلسل “الواق واق”، إلا أن طبيعة الكوميديا التي قدمها لم تخل من رسائل مبطنة ليست إلا انعكاساً لواقع الحرب والأحداث المأساوية التي عاشها السوريون عبر الهجرة، أو البحث عن الأمن والاستقرار، ومكافحة الفساد، وغيرها من المواضيع التي تقرب أكثر للكوميديا السوداء، وذلك التهكم الساخر والنقد اللاذع للواقع المعاش، وهذا الرأي تسمعه من أشخاص كثيرين، ويتحدث عمار: لم نعد نرى كوميديا تجعلنا نضحك من داخلنا كما كنا سابقاً، ربما هي آثار الأزمة والسنوات السابقة، ولكن يبدو أن التكرار كان حاضراً في الكوميديا أيضاً، فبحسب آراء البعض، هناك الكثير من التشابه في الأفكار، والجو العام للمسلسلات، وحتى مسلسل بقعة ضوء الذي انتظره معظم المشاهدين، لم يكن إلا استعراضاً للحلقات الأجمل في مواسم سابقة، من جهة أخرى ينتقد أبو عمران بشدة محتوى بعض الدراما التلفزيونية التي تتسابق القنوات المختلفة على طرحها في الشهر المبارك كسلعة لتحقق فترات إعلان مرضية لوسائل الإنتاج، ولكن دون مراعاة لمشاعر الصائمين، أو لقيم الشهر المبارك، ويقول: المشاهد الفاضحة تشكّل عنواناً بارزاً للكثير من المسلسلات الرمضانية هذا العام، فتعددت المسلسلات التي تتحدث عن الخيانة الزوجية، والتي جنحت بعرض المشاهد الهابطة أخلاقياً، والمثيرة للغرائز، في تقليد واضح لمشاهد الدراما الأجنبية والتركية التي غزت مجتمعنا السوري في السنوات السابقة، واستبدلت تدريجياً القيم النبيلة التي اعتادت المسلسلات على طرحها لتناسب كل العائلة في رمضان.

تأثير نفسي

ومتابعة للتأثير النفسي المتوقع في شريحة معظم متابعي المسلسلات الرمضانية هذا العام، يتحدث الدكتور فايز يزبك، اختصاصي علم النفس الإعلامي، شارحاً أثر الدراما الرمضانية بالقول: المعروف أن الإعلام سلاح ذو حدين، يقدم جوانب إيجابية، وجوانب سلبية، والتلفزيون، والبرامج الدرامية التي تقدم عليه يمكن إرجاعها لنظرية الاستخدامات والإشباعات، فالبرامج والمسلسلات التلفزيونية عموماً من المفترض أن تلبي الحاجات الشخصية للأسرة، حيث تشجع الثقة بقدرات الشباب، وتشجع على الاطمئنان على المستقبل، وتحقيق أفكارهم الخاصة المتعلقة بالنجاح بالحياة، مع محاولة إيجاد الحلول للمشكلات النفسية، والاجتماعية: (السكن، تعاطي المخدرات، الصحة، البطالة)، وتهتم بحاجاتهم كالاستقلال، وتقدير الذات، فعرض المشكلات الموجودة في واقع الشباب السوري من خلال الأعمال الدرامية الرمضانية يمكن أن يساهم من ناحية سيكولوجية بعملية تنفيس انفعالي، ومحاكاة للذات، ومحاولة إيجاد حلول لبرامج تلبي حاجات اجتماعية، وذلك من خلال تقوية العلاقات والروابط الأسرية، وأيضاً مع الأصدقاء، فمثلاً عندما نشاهد حواراً داخل الأسرة بين أفراد الأسرة حول مشكلة، هنا عرض قضايا متعلقة بالأسرة، وهذا العرض للحوار يساعد في إيجاد الحلول للمشكلة.

إحباط وعزلة

وبخلاف هذه الرؤية يعتقد د. مهند إبراهيم، اختصاصي علم النفس، أن الأعمال الرمضانية تبدو ملامحها هذا العام اجتراراً للواقع في زمن غير مناسب، وتذكير المشاهد بالواقع السلبي من خلال تكثيف الأحداث على نفسية المشاهد، وهذا قد يولّد حالة إشباع انفعالي سلبي تؤثر على الاندماج في المجتمع، وضعف التواصل، وضعف الثقة، كما يمكن أن يقود إلى حالة من الإحباط والانعزالية والتوتر المستمر نتيجة زيادة الضغط، ويشرح إبراهيم: انشغال العائلة الكبير بمشاهدة البرامج والمسلسلات قد يؤثر على العلاقات الاجتماعية، حيث يخفف من التواصل الاجتماعي المباشر، فانعزال الشخص عن وسطه المحيط، واندماجه في الأحداث الدرامية للمسلسلات، يؤدي إلى انخفاض القدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخر، وبعض الدراسات أظهرت أن التأثير النفسي لمشاهدة كم كبير من العروض التلفزيونية يؤدي إلى تقليل زمن الانتباه لدى الأطفال، وإلى ضعف في القدرة على التفكير، وأيضاً من يشاهد التلفزيون لأكثر من ثلاث ساعات بشكل مستمر في اليوم يكون أكثر عرضة للاضطرابات في السلوك، وصعوبات في التركيز.. في الختام، إن مشاهدة الكم الهائل من الأحداث الدرامية طوال اليوم تؤدي إلى إزعاج المشاهد، والضياع، وتشتت الفائدة.

محمد محمود