رأيصحيفة البعث

القـــــول الفصـــــل

 

عندما يؤكد السيد الرئيس بشار الأسد، في مقابلته مع قناة روسيا اليوم، أنه “لم يكن لدينا أي قوات إيرانية في أي وقت من الأوقات، بل ضباط يساعدون جيشنا”، وعندما يعيد وزير الخارجية السوري في مؤتمره الصحفي أول أمس التأكيد على ذلك، موضحاً أن “إسرائيل” هي من روجت رواية التواجد العسكري الإيراني في الجنوب السوري، فذلك يعني، دون أي شك، أن كل ما يقوله الكيان الصهيوني، ومن لف لفه من حلفاء الغرب والإقليم، عن الوجود الإيراني العسكري المزعوم، هو كذب موصوف لتبرير الاعتداءات الصهيونية على سورية، ولإظهار الكيان الصهيوني المحتل في مظهر المدافع عن النفس ضد عدو مزعوم يهدد أمنه من الأرض السورية. أما الهدف الصهيوني الذي يغيب عن أذهان الكثيرين، فهو أن كيان العدو يعتقد أنه يصرف النظر بذلك عن حقيقة أنه يحتل الجولان، أي أنه هو الطرف المعتدي أساساً منذ أن قام باحتلال هذا الجزء الذي لا يتجزأ من التراب الوطني السوري.
ومن الطبيعي، في هذه الحالة، أن يتم التركيز إعلامياً وسياسياً على الخطر الإيراني لتضليل الرأي العام، في محاولة مكشوفة وبائسة للاستخفاف بالعقول. لكن الإدارة الأمريكية لا تكترث، كما يبدو، بسمعتها في هذا المجال، ولا يهمها أن تذهب في تأييد حليفها الصهيوني إلى ذلك الحد الذي يثير الاستياء حتى لدى بعض حلفائها، وقد شاهدنا مؤخراً كيف استماتت المندوبة الأمريكية في الدفاع عن الكيان الصهيوني في مجلس الأمن، وكيف حاولت جاهدة، وبطريقة تثير القرف، إظهار الوحش الصهيوني الذي يقتل شباب فلسطين، وأطفالها، بدم بارد، في مظهر الحمل الوديع الذي يدافع عن نفسه ضد من يحتلّ أرضهم، ويقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم، ويدمر بيوتهم، ويقتلع أشجارهم…!. وبناء على هذا المنطق المقلوب، وبمنتهى الوقاحة، تستخدم أمريكا الفيتو ضد مشروع القرار الذي دعا لحماية الفلسطينيين في غزة والضفة من اعتداءات الاحتلال الصهيوني، والغريب أن الإدارة الأمريكية لم تكتفِ بذلك، بل قدمت مندوبتها مشروع قانون معاكس لحماية “إسرائيل” من الشعب الذي تحتل هذه الأخيرة أرضه، وتقمعه بالحديد والنار، لكن هذا المشروع أخفق إخفاقاً ذريعاً، ولم ينل سوى صوت مقدّمه، كاشفاً بذلك عن مدى العزلة الأمريكية في هذا المجال، فضلاً عن مدى الانحطاط السياسي والأخلاقي الذي بلغته الدولة الأعظم في العالم. هي باختصار دولة لا تتورّع عن حماية الكيان الصهيوني المجرم في فلسطين كما في الجولان، والأنكى أنها لا تتوقف عند ذلك، فإذا كانت تدعم كل الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني، وتنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتحاول فرض الحلول الاستسلامية على الشعب الفلسطيني المنتفض، فإنها، في سورية، تتدخل تدخلاً عسكرياً مباشراً، من خلال وجودها الذي ينتهك السيادة الوطنية، ومن خلال اعتداءاتها المتكررة، سواء لمعاقبة سورية على جرائم مفبركة لم ترتكبها كالهجومات الكيميائية المزعومة، أو لاستهداف سورية بالتدمير والقتل، ولنا على التدمير مثال الرقة التي دمرتها أمريكا على نحو شامل مقصود، ولنا في القتل، على سبيل المثال أيضاً وليس الحصر، المجازر التي يرتكبها طيران التحالف الدولي بحق المدنيين السوريين، وآخرها المجزرة التي استهدفت قرية تل الشاير بريف الحسكة، مما يؤكد ما دأبت سورية على قوله، منذ بداية تشكل هذا التحالف العدواني، من أن هدفه الحقيقي هو محاربة الدولة السورية وشعبها، ودعم الإرهابيين، وليس محاربة “داعش” كما ادعى.
الآن، والجيش العربي السوري يحقق الإنجاز تلو الإنجاز، وتلوح في الأفق بوادر حل سياسي انطلاقاً من تنفيذ نتائج سوتشي، والتحضير لمناقشة الدستور، فإن الإدارة الأمريكية تلجأ إلى محاولة عرقلة التقدم السوري على الصعيدين العسكري والسياسي. وليس غريباً، أن تظهر في هذا الإطار، تسريبات عن التحضير لمسرحيات كيميائية تُتخذ ذريعة لاعتداء أمريكي جديد على سورية. فإلى حد الآن، لا تريد أمريكا وحلفاؤها نهاية للحرب على سورية، ولا تريد حلاً سياسياً وطنياً يقرره السوريون، ويضع حداً نهائياً لكل رهان لاواقعي على انتقال السلطة للمعارضة اللاوطنية، وتغيير هوية الدولة السورية الوطنية العروبية المقاوِمة، ولذلك فإن الفترة المقبلة، وإن كان يُحتمل أن تشهد تحركاً على صعيد المسار السياسي، فإن من المرجّح أن تكون المواجهة العسكرية، وحدوث المصالحات التي تعطيها الدولة الأولوية حقناً للدم السوري، هي العنوان الأساسي فيها، طالما استمر الإرهاب، والوجود الأجنبي الاحتلالي في بعض المناطق السورية، ولقد قال الرئيس الأسد في مقابلته: «إننا سنحرر كل جزء من سورية»، ولابد أن معسكر الأعداء قد استمع جيداً إلى هذا القول، وأدرك أنه القول الفصل.
محمد كنايسي