دراساتصحيفة البعث

نكسة حزيران.. وتجميل الفواجع !!

د. صابر فلحوط
لا شك أن الخامس من حزيران 1967 كان يوماً له ما بعده، كما أنه لا يشبه ما بعده مطلقاً، بسبب خريطة الأحداث التي توالت والإنجازات التي تحققت ولا شك أيضاً أن عظمة الأمم لا تقاس بالأمتار أو الأشبار بل بالقدرة على رؤية الآمال العظيمة عبر الآلام العظيمة والطموحات الجسورة والجراحات الفاغرة.
وكي لا نظلم “نكسة” أو نكبة حزيران، لابد من الإطلالة الموضوعية العجلى على المرحلة التي سبقت “النكسة” ورافقتها، وولدت بعدها.
فقد اندلعت “النكسة” بعد حدثين مفصليين، غاية في الأهمية والخطورة في حياة حزبنا “القائد” وثورته ثورة الثامن من آذار 1963.
وهذان الحدثان هما: حركة 23 شباط /1966/ حيث تصادمت الأفكار في البيت الحزبي الواحد. وتصارعت الى حد الجنازير والدم، حيث تطايرت، وتداولت، في آفاق الحياة السياسية “وصفات” ايديولوجية من الفريقين اللذين كانا ممسكين بمقاليد الناس ومصالحهم ومستقبل أجيالهم، فبعضهم يوغل في قاموس الاتهامات، فيصف خصومه بمجموعة من العظام النخرة التي أكل عليها الدهر جائعاً، وشرب عطشاناً،.! فهي تمثل اليمين العفن، والرجعية الجامدة والتخلف الذي يعيش خارج حدود العصر، في جاهلية جهلاء!!. وفريق يصف خصمه بأنه عصابة حمراء أو يسار طفولي عابث، أو زمرة ممن لايرون أبعد من أنوفهم!!. وقد جاء بالحدث الثاني مع قيام أحد “رموز” ثورة آذار بمفرده وقد خيل له أنه يمثل “جماعة” تدعم تصرفاته الهوجاء، إذا ما أقدم على الخطوة الأولى من “مؤامرته” !!. فقد اقتحم مع نفر لا يتجاوز عديده أصابع اليد الواحدة، الاجتماع الحزبي في فرع السويداء الذي كان يحضره وفد من القيادة في مقدمته، رئيس الجمهورية، والأمين القطري المساعد، وعدد من الرفاق أعضاء القيادتين.
وبعد ساعتين من استمطار الدعم من دمشق فر رئيس الانقلاب المزعوم خارج حدود الوطن ليترك جرحاً نازفاً في صميم الثقة بين رفاق الدرب الواحد، ويحفر ندوباً متفاوتة في الحزب والجبهة الداخلية..
يضاف الى هذه الصورة، الآثار النفسية والاجتماعية والسياسية التي خلفتها انتكاسة المحادثات بين الحزب – بشقيه – في سورية والعراق مع الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بهدف استعادة الوحدة المتمثلة بالجمهورية العربية المتحدة التي قتلت بالضربة الانفصالية القاضية !!.
يضاف الى ذلك فشل – الحزب صاحب ثورتي – 8 شباط- في العراق و8 آذار في سورية في تحقيق أية خطوة وحدوية رغم توفر جميع عناصر التوحد فكرياً، وايديولوجياً، وعقائدياً، كما لا يمكن أن نغفل في هذا التوصيف للحالة الراهنة يومها انعكاس قيام الأخوة الناصريين في سورية في 18 تموز 1963 بالحركة الانقلابية الفاشلة والتي أعقبتها خلخلة في بناء الثقة بين أبناء التوجه الوحدوي في الجبهتين المدنية والعسكرية .
في هذه الأجواء المكهربة بكل نذر الشر والوقيعة، ضرب العدو الصهيوني ضربته التي كانت قاصمة الظهر عندما تحطمت طائرات الزعيم عبد الناصر وهي على مدارجها فجر الخامس من حزيران، الأمر الذي أعطى فسحة من الراحة للجيش الصهيوني دفعته الى تحويل الجهد الرئيسي للمعركة صوب الجبهة السورية معربداً ومهدداً.
بالرغم من بسالة الجندي العربي السوري وتقديمه التضحيات الغالية في المواجهة إلا أن ميزان المعركة وبعد خروج جبهة السويس منها – قد مال بشدة لصالح العدو مما شكل نكسة خطيرة ومريرة كان لها تداعياتها المدوية في الوطن وخارجه دفعت مناضلي “البعث” وفي طليعتهم القائد الخالد حافظ الأسد الذي كان كلمة السر في ثورة آذار وتجديد فكرها، ومنطلقاتها الى جعل نكسة حزيران منصة انطلاق الى ما بعدها لإبداع فجر جديد يعيد الحزب الى جماهيره والوطن الى حاضنته القومية التي كادت سنوات مابعد “23شباط” أن تسير في جنازتها !!.
وقد جاءت الحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد /1970/ رداً وطنياً وقومياً على نكسة حزيران، وثأراً تاريخياً لدماء شهدائها من أبطال جيشنا الباسل. وقد تمكنت الحركة التصحيحية من الاستفادة القصوى من دروس نكسة حزيران فأعادت الجسور مع الجماهير العربية حيث خاض جيشنا حرب تشرين التحريرية التي عدت أعظم إنجازات الأمة في القرن العشرين تحت علم اتحاد الجمهوريات العربية.. وبالرغم من نكوص السادات وانقلابه للانبطاح أمام أمريكا وإسرائيل فلسوف تقرأ الأجيال أن الجيشين العربيين السوري والمصري وخلال ساعات من بدء حرب تشرين كادا أن يزلزلا الأرض تحت الكيان الصهيوني ويجعلا وجوده في الدار العربية أثراً بعد عين … ولا يضيرنا أن يقال في الغرب والشرق إن حرب تشرين كانت نصراً في الميدان وخسارة في السياسة، طالما أن شعبنا رغم أنهار التآمر التي جرت تحت جسور “القضية” ما تزال وجهته فلسطين وهدفه تحريرها من بحرها الى نهرها والقدس عاصمتها الأبدية..
وتأتي ذكرى حزيران هذه الأيام في وقت يستكمل فيه جيشنا الأسطوري وشعبنا العملاق إبداع الصفحات الأخيرة من كتاب الحرب الوطنية العظمى في مواجهة الإرهاب التكفيري الوهابي الرجعي، اعتماداً على التجارب الهائلة والثرية التي اكتسبها في حرب تشرين التحريرية التي ضمدت جراح حزيران ببلسم الكبرياء والكرامة والعزة.
فتحية لأرواح الخالدين من أبطال جيشنا في الحرب الكونية على سورية العربية، تلك الأرواح التي تتلاقى وتتعانق وتتوحد في العلى مع أرواح جنودنا الذين قدموا سخاءً، وعطاءً، لا نظير لهما في الخامس من حزيران لتكون كلمة الوطن وكرامته هي العليا، في هذا العصر، وكل عصر.