ثقافةصحيفة البعث

على الأرض.. والشاشات أيضاً

 

لعل العنف والجريمة “ثيمة” طغت على أغلب الأعمال الرمضانية في الموسم الحالي، وموضوعاً أساسياً وثابتاً يدور حوله النقاش في كل جلسات الحوار التي تتناول الدراما وما يعرض على الشاشات على مدار الساعة، وبشكل مثير للقلق رغم التبريرات التي غالباً ما ترد اللجوء إليه درامياً إلى اعتباره وسيلة للتخفيف من الاحتقان الذي بات يملأ صدور الصغار قبل الكبار.

هذه الظاهرة لم تقتصر على دراما العام الحالي وهي بالتأكيد ليست وليدة هذا الموسم، وقد يفيد في هذا الأمر العودة إلى الوراء أعوام هي سنوات العنف والفوضى التي اجتاحت الشوارع في العديد من دول العالم بما فيها بالطبع العالم العربي، وما شهدته من أعمال جريمة وعنف يندى لها جبين الإنسانية، فهل نحن بحاجة لتكرارها على الشاشات!؟.

إن “جرعة” العنف التي مرت في الأعوام السابقة قد لا تماثل ما تحفل به مسلسلات هذا الموسم، إذ على شاشات الفضائيات المصرية بأعدادها الكبيرة وعلى مر الساعات تمر مشاهد العنف تباعاً، بعضه ذاك الذي يمارسه عادة المتطرفون والإرهابيون سواء عبر التفجيرات والقتل الجماعي مثل الذي شكل مدخل مسلسل “مليكة” أو تلك المذابح التي تناولت رجال الأمن والشرطة والكثير من الأبرياء الذين ذهبوا ضحايا دون ثمن، شكلت محور أعمال عديدة مثل “كلبش ورحيم وأمر واقع وفوق السحاب” وغيرها، جرائم تمارس من قبل جماعات وأفراد، يدفع فيها المتلقي في كثير منها إلى التعاطف مع الطرف الجاني حين يقوم بتأدية الدور ممثل يتمتع بشيء من الجاذبية والقوة والأداء المتقن، أو حين يتم تصويره وقد تحول إلى الجريمة جراء عنف مسبق مورس ضده أو تناول أحداً من عائلته وأقاربه أو مجتمعه، ليكون العنف المضاد مبرَراً، ويشكل رسالة إلى المشاهد بأنها وسيلة دفاعٍ أو أسلوب يمكن له اللجوء إليه لاسترداد الحق مستقبلاً.

لا تتمايز الدراما المشتركة عنها في ذلك، إذ هي ذات الصورة التي يقدمها تيم حسن في  “الهيبة” الجزء الثاني العودة بالزمن إلى الخلف، حيث تجاوزت جرعة العنف التي حملها كل حد، عنف وفوضى وسيادة قانون العصابات في مقابل غياب شبه تام لقانون الدولة، أو إظهارها كطرف غير قادر على السيطرة في القرية المفترضة والتي تدور فيها الأحداث، ليأتي مشهد تعنيف الزوجة بالحزام الجلدي ويشكل مدار الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الجلسات الضيقة ويتبين على إثره أنه وفي هذه الأيام أن هناك من لا يزال يراها من الضرورات في البناء الدرامي، إذ ما تزال تمارس بشكل فعلي خلف الكثير من الأبواب المغلقة التي تخفي الكثير من الحكايات والأسرار.

هل هو عنف شكلي أو من نوع واحد، بالتأكيد لا إذ اعتمد “تانغو” في بنائه الدرامي على كل أنواع الجريمة المتخيلة من عنف لفظي مورس تجاه من حوله وإلى جانبه من الزوجة إلى العشيقة وصولاً إلى العاملين معه، يتكشف الأمر تباعاً حلقة إثر حلقة، من الضرب الذي كان وسيلته لردع الزوجة عن التعاطي وتناول الكوكايين، لينتقل إلى الجريمة الفعلية والقتل بدم بارد عقاباً لكل من تسول له نفسه خيانته من العاملين معه أو الذين يتقاعسون عن تلبية أوامره ومخالفتها، ولا ننتظر سوى جرعات أشد وقعاً فيما تبقى من حلقات المسلسل.

لتأتي الطامة الكبرى في كمية الجرائم التي تشكل محور مسلسل “وردة/ شامية” بينما يدفعك الإتقان والذوبان في الدور، وإمكانيات التمثيل العالية للتعاطف مع المجرم، كما في المشهد الذي أدته شكران مرتجى إذ لا بد تدفعك للانحياز إليها والتعاطف معها والتبرير الداخلي لما تقوم به، حين تكتشف حمل ضحيتها بعد أن تقوم بقتلها، ما يشكل صدمتها الكبيرة ويعيد إلى ذاكرتها كيف حرمت من وليدها ولا وسيلة متاحة لها لتعرف ما آل إليه مصيره، في تبرير واضح للجريمة التي تمارسها والتحول الذي أخذها وشقيقتها من عالم الأقمشة والخياطة إلى الجريمة المحترفة.

قد يخرج مسلسل “فوضى” للثنائي حسن سامي يوسف ونجيب نصير، في ثيمته عن سواه من المسلسلات في الشكل والصورة، لكنه يحفل بتبعات العنف يظهر الأمر في كل حوار ويرخي بآثاره على كل الأشخاص التي تعيش في المكان.

عنف وجريمة وقتل وتحريض عليها، تقدم على أنها مجرد جرعة علاجية كما يعالج مرض عضال متناسين إن آثاره الجانبية تحتاج لعلاج أقوى وأشد وأبعد مدى، حين يكون الغياب شبه تام لمجرد الإشارة إلى أنه بالقانون، بالحب والتسامح يمكن للمجتمعات أن تحظى بالسلام والعدالة ويسترد الناس كراماتهم، إذا ما ترك المجال لهم بالانحياز إلى الأخلاق والمناقب والاحتكام إلى العقل.

بشرى الحكيم