الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نزيه أبو عفش فناناً تشكيلياً

 

الشاعر أبو عفش من الأسماء الشعرية السورية والعربية المميزة، له في فنون التعبير هويته الخاصة التي تتطابق في الموقف والسلوك كإنسان مبدع يعيش حالته الوطنية والإنسانية، مؤمنا بدور الفن والثقافة في الدفاع عن الحياة، وربما يجهل البعض أن هذا الشاعر قد خاض مسارات الفن التشكيلي وأنتج اللوحة وعايش أهم المبدعين السوريين في هذا الاتجاه ومنهم الراحل فاتح المدرس الذي يتفق معه بأن فن الرسم هو فن التعبير، وأن التقنية لن تكون الغاية في العمل التشكيلي، وقد افتتح مؤخراً في المركز الوطني للفنون البصرية معرضه الفردي المستمر حتى الآن، حيث يتناول من خلال لوحاته التعبيرية ذلك الجانب العميق في النفس المثقلة بالوجدان، وقد كتب فاتح المدرس عنه يوماً:

ماذا لو رسم الشاعر؟ وهل حقاً أن كل رسام هو في أساس بنيانه الفكري شاعرٌ من مستوى خاص؟

وأتساءل: هل هذا الشاعر «نزيه أبو عفش» الذي يُقاتل الشيطان في الإنسان طوال معركته مع قباحة النفس البشرية، يستطيع أن يستمر في معركته التصويرية بإذكاءِ نارِ معركته على المستوى التشكيلي؟

نحن نعلم أن ساحة القتال لأجل الخير والجمال هي ساحة محدودة لأنها لا تُعنى كثيراً بتوليد صورٍ فكرية من صورة بصرية.

ماذا نُشاهد بعيوننا في أعمال نزيه؟

نشاهد الإنسان، وجه الإنسان يحوّم ببطء وضبابيةِ إلهٍ مجهول الهوية، ونزيه يعرف جيداً ماهية هذا الإله المجهول، فالبحث عن الجمال شيء، وصناعة الشكل الجمالي شيء آخر، وفي كثير من التفاؤل يعالج نزيه اللُّطفَ السري في الإنسان في الكلمة وفي الشكل، حيث أن دراسة هذه الوجوه التي تمتُّ للإنسان ولا تمتّ للبشر تثير التساؤل: هل يرسم نزيه الوجه الآخر للإنسان في رفضه المطلق للخير والشر معاً؟”.

التقنية، والأسلوب، عند نزيه أبو عفش ليسا غاية لذاتهما، وإنما وسيلة ليقول من خلالهما بالصورة ما لم يقله بالكلمة، عن وجوه تحولت إلى حجارة، وصخور صارت وجوهاً، عن مسيح تعرض للخيانة، عن أحلام معلقة بالسماء، عن حكايات وفيرة تكتنفها الخطوط والألوان في كل لوحة، وتدعو المشاهد لاكتشافها. نزيه يطوّع التقنية، والأسلوب، للتعبير عن فكرة ما، أو رؤية ما، أو حكاية ما، أو نبوءة..!. ألم يسأل كثيرون بعد سنوات مريرة جسدت مخاوفه وهواجسه إن كان قد تنبأ بما حصل، ويحصل، بزمن طويل سبقه؟..نزيه لم يقبل يوماً فكرة التنبؤ فهي لا تلتقي مع قناعاته، فالشاعر، والفنان، الحالم فيه لم يتعارض يوماً مع المتأمل الذي يعيش زمانه ومكانه بكل التفاصيل،

أكسم طلاع