صحيفة البعثمحليات

شركاء في إعادة الإعمار..!

 

لا شكّ أننا اليوم أمام استحقاقات مرحلة جديدة هي: إعادة الإعمار، وتحدّياتها المتجلّية بهاجس توفير الأرصدة والاعتمادات المالية اللازمة والمقدّرة حسب خبراء اقتصاديين بنحو نصف تريليون دولار، وإذ يتلاشى فيها الاعتقاد السّائد بمسؤولية الحكومة وحدها عن عملية التّنمية؛ فمن البديهي أنَّ أيَّة عملية تستهدفُ الجميع، تستلزم مشاركة هذا الجميع في صُنعِها والتّماهي مع أهدافها؛ بدءًا من الفردِ، مُروراً بالمجتمع الأهلي ومؤسسات القطاع الخاص، وليس انتهاءً بالقطاع الحكومي؛ فللجميع أدوار ومهام، في إطارٍ من حلقاتٍ تكاملية يعضد بعضُها البعضَ الآخر. وما يستبطن ذلك من ضرورة جسر الفجوات بين الرّغبة في الفعل ومسؤولية أدائه بأمانة، انطلاقاً من مسلّمات أهمّها:

* أنّ الحكومة لا تملك عصا سحرية لحلّ المشكلات وتوفير المتطلبات بين عشيّةٍ وضحاها، ولابدّ من شراكة مجتمعية.

*وأنّ على القطاع الخاص الاضطلاع بدوره الوطنيّ والانتقال من مرحلة التّرقّب واستحياء الإقدام على الفعل أو توجّسه؛ إلى المبادرة الذّاتيّة.

*وأنّ على المجتمع الأهلي مسؤولية الاندماج العضويّ والعمليّ في فعل التّنمية، والبناء، وإعادة الإعمار، من خلال ضخّ الطاقات والكفاءات والخبرات على تنوّعها في لجّتها، ناهيك بدعم وتنشيط المؤسسات أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة كذراع إنتاجية بالغة الأهمية؛ لإحداث زخم في الأعمال المؤازرة للاقتصاد.

ولعلّ استشراف أبجديّات الإعمار المرتقب، وتجليّات المشهد التنموي، تنبئ بانحسار مصطلح: الدّور الحكومي الأوحد؛ وامتلاك العَصَا السّحرية لحلّ المشكلات وتوفير المتطلبات، صحيحٌ أنَّ الحكومة كفاعلٍ ومنظِّمٍ أساسيٍّ هي المحرك الرئيسي للتنمية -من مُنطلق مسؤولية تقدّم الوطن ورفعته، والارتقاء بالمواطن- إلّا أنّ واقعية الطَّرح وموضوعيته- ومن ثمَّ تمظهراته لابدّ من أن تستوعبُ انحسارَ تلك الوِصَاية الأبوية للحكومة، لصالح تفعيل مفهوم الشّراكة المجتمعيّة، إذ إنّ الدّور الأبوي كانت له موجباته وما يُبرره، أما الآن فمن الضرورة بمكان تهيئة البيئة المناسبة لإعادة الإعمار، من خلال زجّ فئات المجتمع وشرائحه كافة فيها، واستقطاب الرّساميل البشرية والمادية المهاجرة والمقيمة في خضمها، لتضطلع جميعها بدورها المأمول، ما يضعنا أمام مسؤولياتنا لتجذير مضامين مفهوم الشراكة ليس في العُمق التنموي فحسب، بل من قبله العمق الاجتماعي القائم على علاقات وثيقة يشتركُ فيها الأطراف الأربعة: الحكومة، والمجتمع الأهلي، والقطاع الخاص، والمواطن. وتضافُر جهود هذه الأطراف معًا، ضمانة أساسية لتحقيق إعجاز الهدف المنشود..!

وهذا يقتضي التّحرّر من المعوّقات الذّهنية القائمة على الارتباط القاصر لمفهوم الشّراكة في الوعي الجمعي – بصفته مجرّد مسؤولية ثنائيّة بين الحكومة والقطاع الخاص- ليُحقق من ثمّ كينونته الحقيقية المتوخّاة؛ كمفهوم من الضروري أن تُكرَّس الجُهود لجلائه، ووضع الخطط والآليات التي تكفل تفعيله كمدخل  لإرساءِ أسسه، وتجاوز ما عهدناه من اتكاليّة مُفرطة على الحكومة في كلّ شيء، وتبنّي رُؤية واضحة لجعل الشّراكة منهجًا وأسلوبَ حياة. وإلى حين تحقُّق ذلك كليًّا، يبقى التأكيد على أن مثل هذه الشراكة لا يُمكن أن تتحقق دون تحديد مسارات واضحة لمهام اللاعبين المنخرطين فيها، تتحدَّد وفقها آلية توحيد الأشّعة وجمع هذه الأدوار بطريقة تلبِّي حاجات الجميع ومصالحهم، وتسدُّ ما يُمكن تسميته بالثغرة المعرفية الفاصلة بين المسؤولية والرّغبة الجمعية للعمل معاً من أجل تحقيق الأهداف ذاتها.

ولكي تتبلور تلك الشّراكة وتغدو حقيقية، وتثمر نتائجَ بنَّاءة؛ يجب بدايةً تحديد أهدافها وآلياتها بشكل لا لبس فيه، والعمل على تمكين أطرافها الأربعة، وإتاحة الفرصة لها لاستنباط استراتيجية تكاملية مُتبادلة، وإجراء مراجعات دورية لتقييم مخرجاتها والتغذية الراجعة عنها؛ للانتقال بها إلى طورٍ يكفلُ نُضجَ مردودها التنموي، وتزخيم عائدها على الأطراف كافة؛ والاطمئنان لاحقاً إلى مفتاحية دورها!

والحال أن لا محيد عن الشّراكة المجتمعية المسؤولة، والمأمولة من أجل تحقيق تكاملٍ مجتمعيٍّ ضامنٍ لإعادة الإعمار، وكذا لنهضةٍ وطنيةٍ شاملة، تتطلب تضافر جهود أبناء الوطن كافة، واستثمار جميع الطاقات،

كعُنوانٍ رئيسٍ للمرحلة، وكامتحان وطنيّ لا يحتمل التلكّؤ والتّواني..!

أيمن علي

Aymanali66@Hotmail.com