اقتصادصحيفة البعث

سؤال “متضخم”..؟!

 

أمام الحالة المعيشية التي يعانيها المواطن السوري، وتحديداً شريحة الدخل المحدود، نتيجة لضعف الدخل وتدني قيمته، ومع تلاشي آمال شريحة العاملين في القطاع العام بأية زيادة قريبة على الرواتب والأجور، سنعرض لموضوع التضخم الذي تعدّه النظرة التقليدية الاقتصادية ظاهرة نقدية.

وسنعرض للطرافة الاقتصادية في هذا الأمر، فقد استنتج عدد من الباحثين ومراكز الأبحاث من خلال بيانات الدول المتقدمة أن هناك علاقة ما بين التركيبة العمرية السكانية واتجاهات التضخم طويلة الأجل، حيث يمكن تفسير جزء كبير من التضخم من خلال التركيبة العمرية السكانية.

الطرافة أن قسماً من الباحثين يرى أن التضخم يرتفع مع زيادة نسب الشباب وكبار السن الذين يميلون إلى الاستهلاك أكثر من الادخار، وتنخفض مع زيادة نسب الشريحة السكانية العاملة التي تميل إلى الادخار أكثر من الإنفاق. لكن فات أصحاب هذا الرأي أن أنماط استهلاك الشباب تختلف عن أنماط استهلاك كبار السن، إذ قد يلجأ الشباب إلى الاقتراض لزيادة الاستهلاك على أمل نمو دخولهم المستقبلية، بينما يتحفّظ كبار السن في رفع استهلاكهم، نظراً لاعتماد معظمهم على دخول شبه ثابتة.

أما القسم الآخر من الباحثين فيعتقدون أن الشباب يفضّلون رؤية معدلات التضخم ترتفع لميلهم للاقتراض، لأن ارتفاع معدلات التضخم يصبّ في مصلحتهم لناحية الخفض التي تخفّف عنهم أعباء قروضهم التي تتضاءل مع ارتفاعه، بينما يميل كبار السن إلى تفضيل معدلات تضخم منخفضة للحفاظ على مدخراتهم من التآكل.

فمن المعروف أن التضخم يتسبّب في تآكل القيم الحقيقية لمدخرات كبار السن، لهذا كان من أولويات هذه الشريحة السكانية ومؤسسات التقاعد التي ترعاهم المحافظة على قيم مدخراتهم من التلاشي وتعظيم العائد عليها. بينما تحاول الشرائح السكانية العاملة، وخصوصاً في المراحل التي تسبق التقاعد ادخار أجزاء أكبر من دخولها لإنفاقها في المراحل المتأخرة من حياتهم أو لتوفير بعض الموارد لمن خلفهم من ذرية وأزواج.

كما ترفع هذه الشرائح مدخراتها، لأنها أكثر نضجاً، في استهلاكها وأكثر تجنباً، لأخذ مخاطر الاستثمار. هذا الوضع قد يتسبّب في ضعف نمو الطلب الكلي لفترات زمنية طويلة، ما يضعف الضغوط على الأسعار، بل وقد يتسبّب في إحداث التضخم الصفري، الذي يقلّل من جدوى وتأثير السياسات النقدية، إذ تقود زيادة معدلات الشيخوخة إلى تراجع نسب الشريحة السكانية العاملة.

وكلما ارتفعت نسب كبار السن ارتفع تأثيرها على السياسات الاقتصادية وارتفعت تكاليف منافعهم والرعاية بهم، سواء بارتفاع التحويلات، أو تكاليف الرعاية الصحية التي تقلّل من الموارد الموجهة للاستثمار.

وعليه إذا صح تأثير شيخوخة السكان السلبية على معدلات التضخم طويلة الأجل، فإن هذا يسترعي إدراك المصارف المركزية وصنّاع القرارات لأهمية اعتبار هذا المتغيّر، وضرورة إجراء بعض التعديلات على سياساتها النقدية والسياسات الأخرى للسيطرة على اتجاهات وآثار التضخم طويلة الأجل. ويسهل التعرف على التركيبة السكانية المستقبلية وإجراء التعديلات اللازمة على السياسات النقدية وغير النقدية للتحكم بمعدلات التضخم وآثاره ومنعها من التأرجح بسبب هيكل السكان العمري.

أخيراً نصل لنقول: لا شك أننا شعب فتيّ، ولا شك أنه قد حدث خلل في التركيبة العمرية السكانية، وبالتالي العاملة ونوعها ومقدراتها..، ما يعني أننا أمام معضلة أكبر لا تقتصر على مقاربة الشباب والكهولة فقط وأثرهما في عملية التضخم، لا بل إن الشريحة ما قبل الفئة العمرية الشابة المنتجة، سيكون لها أثر..

والسؤال: هل لدينا أبحاث حول ذلك، أي أثر الفئات العمرية في وعلى ظاهرة التضخم؟؟.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com