دراساتصحيفة البعث

السعودية تلعب لعبة خطيرة

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن “جيوبولتكال فيوتشر”

بعد أشهر من الصمت النسبي كانت نهاية أسبوع صاخبة، فللمرة الثانية منذ تعيينه وريثاً للعرش، أعلن ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان عن تغيير وزاري كبير، مركزاً على الوزارات المتعلقة بالثقافة والحياة الإسلامية والتنمية الاجتماعية.
وذكرت صحيفة “اللوموند” الفرنسية، أن ولي العهد بعث برسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهدد فيها بمهاجمة قطر، ويطلب الضغط عليها لمعنها من الحصول على منظومة الدفاع الجوي الروسية “اس 400″، لأنه يلغي تفوق السعودية على جيرانها. وأخيرا وليس آخرا، وكان موقع «نيوز1» الإخباري الإسرائيلي نشر مقالا عن خطط السعودية لتطوير قدرات إنتاج أسلحة نووية بمساعدة من باكستان أو إسرائيل. وفيما تشير هذه القصص إلى الضغوط الداخلية والخارجية الشديدة التي تواجهها المملكة حتى مع موجات الارتفاع الأخيرة في أسعار النفط، يعد التعديل الوزاري دليلا آخرا على محاولة بن سلمان كسب ولاء البيروقراطية السعودية.
كانت بداية هذه الحملة موجهة إلى العسكريين والأثرياء الذين يمكن أن يشكلوا معقلا للمعارضة ضد ولي العهد، والآن يتجه بن سلمان إلى بعض الوزارات المسؤولة عن تنفيذ الإصلاحات التي يراهن عليها وتتعلق بها حياته.

نتائج عكسية
تمكن بن سلمان من تعيين أفراد موالين له على مستويات عدة من الهياكل السياسية والعسكرية والدينية، والمثير للدهشة أنه فعل ذلك دون خلق رد فعل عنيف ضد حكمه، ولربما ينتظر معارضوه الوقت المناسب، ولا يزال موقف بن سلمان غير مستقر تماما – ولكن كل خطوة يتخذها تسمح له بتعزيز سلطته بشكل أكبر.
لم يكن تقرير “اللوموند” مطمئنا. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، بدأت السعودية هجوما دبلوماسيا منسقا ضد الدوحة لجعل قطر، التي كانت تغازل منافسي الرياض الرئيسيين إيران وتركيا، تتراجع. ولم تكن الرياض تنوي السماح لقطر بأن تصبح طابورا خامسا في الخليج الذي تعتبره السعودية منطقة نفوذها، لذلك طلبت من حلفائها، بما فيهم الإمارات والبحرين ومصر واليمن، التوقيع على خطة لعزل قطر اقتصاديا وماليا، لكن الخطة جاءت بنتائج عكسية، فقد استمرت الولايات المتحدة باستخدام قطر مقرا متقدما للقيادة المركزية الأمريكية، وتعمقت علاقة قطر مع تركيا، وسمحت لها بإنشاء قاعدة بحرية، كما أنها لم تتوقف عن التعامل مع إيران على أسس براغماتية. عمليا أظهرت الاستراتيجية السعودية ضعف المملكة بدلا من قوتها.
وإذا كان تقرير اللوموند دقيقا، فإن السعودية تضغط الآن على القضية مرة أخرى. وفي حال حصول قطر على منظومة “اس 400” فإن ذلك سيساعد على إلغاء الميزة العسكرية الحقيقية الوحيدة للسعودية على جيرانها – وهي قوتها الجوية التي تم بناؤها خلال عقود من اقتناء المعدات العسكرية الأمريكية.
لقد شهدت السعودية بالفعل ما يمكن أن تعنيه المشاركة الروسية في الشرق الأوسط للمصالح السعودية، فهي لا تريد من روسيا أن تدعم نظاما شرق أوسطيا آخر معاديا للمصالح الأمريكية، لكنها تلعب لعبة خطيرة هنا، وهي لعبة قد لا تكون قادرة على الفوز بها. فمن ناحية، لا يمكن للرياض أن تُظهر ضعفها عندما يتعلق الأمر بقطر، لذلك فهي لن تخسر الكثير في حال قامت بالتهديد دون تنفيذ، لكن تنفيذ التهديد سيكون خطيرا لأن الرياض قد تجد نفسها لا تثير التوترات مع إيران فحسب، بل من الممكن أن تجبر تركيا – التي تمتلك بالفعل قاعدة عسكرية في قطر بالإضافة إلى القاعدة البحرية التي تم الاتفاق عليها – على معارضة التحركات السعودية بشكل مباشر.
سباق التسلح النووي
ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن السعودية قد تسعى للحصول على أسلحة نووية، الأمر الذي يستند غالبا على التخمين والاستدلال، فلا يوجد دليل على أن باكستان تقوم بتخزين قنابل نووية لنقلها إلى السعودية في حالة بدء سباق تسلح جدي، وما يتم تداوله مجرد تقارير غير مؤكدة.
علاوة على ذلك، فإن العنوان الرئيسي الذي جذب الكثير من الاهتمام – وهو أن “إسرائيل قد تنقل معلومات نووية إلى السعودية” – لا يعتمد على الأدلة، وإنما على ما يوصف بأنه “افتراض معقول” على أساس مصلحة “إسرائيل” في إقامة علاقات أوثق مع المملكة. ومع ذلك يجري الحديث عن تحرك سعودي محتمل للحصول على أسلحة نووية، فقد صرح وزير الخارجية السعودي لشبكة “سي إن إن”، في أيار الماضي، أن بلاده ستطلق برنامج تسلح نووي إذا ما استأنفت إيران برنامجها الخاص بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني.
في الواقع، ربما لا يوجد هناك غير “إسرائيل” من يريد الحصول على الأسلحة النووية أكثر من السعودية، خاصة مع احتمال انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة في المستقبل، فالمملكة هي الأضعف من بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط التي تتنافس على التفوق الإقليمي لذا فالأسلحة النووية تعد بمثابة هدف هائل. بمعنى آخر: على الرغم من أننا لا نستطيع تأكيد صحة التقرير الإسرائيلي، فإننا لا نستطيع أن نجد الكثير من الأخطاء في المنطق الأساسي للتنبؤات الموجودة في التقرير، وعلى الرغم من تعرض السعودية لعقبات في السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال دولة غنية بالبترول مع قدرات عسكرية تقليدية محدودة، ولها تاريخ في الاعتماد على الوكلاء لتقديم عروضها. ولا شك أن الرياض لا تزال تفضل هذه الإستراتيجية، كما يتبين من التقارير الإعلامية الأخيرة التي تشير إلى أن السعودية والإمارات المتحدة تعملان على إنشاء ميليشيا عربية جديدة في شمال شرق سورية قد تكون ملائمة لمصالحهما. وتكمن المشكلة في أن هذه الاستراتيجية أخفقت باستمرار في إحداث تحسن في المكانة الاستراتيجية العامة للسعودية؛ وفي جميع الاتجاهات، تواجه المملكة أعداء أقوى منها. ويمكن لولي العهد أن يخلط الأوراق في وزارته كما يشاء، ولكن حتى لو استطاع تغيير شكل المملكة السعودية – وهي مهمة شاقة بحد ذاتها – فإن بلاده ليست قوية بما فيه الكفاية لجعل أي دولة أخرى، بما في ذلك قطر، تنأى بنفسها عن المنافسة.