ثقافةصحيفة البعث

رواد الدراما

 

 

كما في كل موسم رمضاني يكون للدراما الحصة الأكبر فيه ليس في التلفزيون فقط، بل في الصحف والمواقع الإلكترونية والندوات، لتدور النقاشات حول مستواها والخطر الذي يتهددها بسبب التسويق ومغادرة عدد من فنانيها خارج سورية، في إشارة إلى أن هذا الغياب ربما يؤثر على بنيتها ومستقبلها كونهم يشكلون الرافعة الرئيسية لها، وقد أصبح الحديث في هذه المسألة حالة مموجة لأن هؤلاء الفنانين لا يختلفون في مغادرتهم لوطنهم عن أي مواطن سوري آخر غادر سورية لأسباب مختلفة ومتعددة، بغض النظر عن الموقع الذي كان يشغله، فسورية على مر تاريخها لم تؤسّس مكانتها التاريخية من خلال أشخاص، بل عبر معطيات كثيرة بوأتها هذا الموقع الهام الذي يمثل السبب الرئيسي في الهجمة الشرسة التي تواجهها.
أما هجرة هؤلاء الفنانين خارج سورية، كما يسميها البعض، فلم تعد تثير الاهتمام، وقد أُعطي هذا الأمر أكثر مما يستحق لأن من يبحث في تاريخ الدراما السورية منذ بدء تأسيسها حتى الآن يكتشف أن هذه الدراما، أو الفن السوري بشكل عام حقّق هذا الحضور عبر رواده الأوائل الذين قدّموا الكثير من التضحيات حتى أوصلوه إلى هذه المكانة الراقية، حيث حوربوا كثيراً ومع ذلك لم يستسلموا وتابعوا مشوارهم حتى حقّقوا رسالتهم النبيلة التي نذروا أنفسهم من أجلها، وهؤلاء باعتقادنا هم رهاننا الحقيقي، بل يمثلون حتى الآن الرافعة الفنية والفكرية للدراما ماضياً وحاضراً، من خلال مشاركاتهم التي لا تزال حاضرة تجذب الكثير من المشاهدين لمتابعة عمل ما لمجرد مشاركة أحدهم فيه، وأسماء كثيرة تحضر في البال لا يتّسع المجال لذكرها الآن، حتى أن بعضهم مازال يعطي لهذا الفن خلاصة روحه، والبعض الآخر رحل إلى رحمة الله، لكن بصمتهم حاضرة وباقية في ذاكرة الفن السوري.
والآن بعد أن تجاوزت الدراما نصف قرن من عمرها تسعى لإثبات ذاتها وتأكيد حضورها وإنجازاتها، من خلال بعض الأسماء التي هاجرت أو التي لم تغادر سورية، مؤكدين أنه ليس من السهل أن تخسر درامانا بعض فنانيها الذين دخلوا الفن من أبوابه الواسعة دون أن يعيشوا أي معاناة، بل على العكس عرفوا الفن في عصره الذهبي، حيث مكانة الفنان تتصدّر واجهة المجتمع، لذلك كان من السهل على بعضهم التخلي عن كل ما أنجزوه ومغادرة هذه الدراما إلى دراما أخرى ما كان لها لتستقبلهم لولا نجاحهم في الدراما السورية، وهنا تكمن الفكرة الأساسية في أن ما أسّس له الرواد وتعبوا من أجله لم يدركه أو يحفظه جيل اليوم من الفنانين، فكانت هذه الهوة بين الجيلين، ولم يتجاوز ما قدّمه فنانو اليوم حدود الشخصية التي رُسمت على الورق بعيداً عن أي رسالة يتوخونها، وللأسف مع غياب من سمّاهم البعض “نجوم الصف الأول” كان المخضرمون من الفنانين السوريين حاضرين أبداً، ولم يتخلوا عن رسالتهم الفنية والإنسانية، ويثبتون أن ما أسّسوه راسخ ومتين لا يمكن أن يهتز بسهولة مهما حاول المغرضون النيل من هذا الفن الذي يمثل مرآة حقيقية تعكس قضايانا ووجدانا، وبهذا لا يمكن قراءة مغادرة بعض الفنانين للدراما السورية بأنها تأكيد للخطر الذي يتهدّدها من كل الجهات، بل يؤكد ذلك أن الدراما مستمرة بروادها ومؤسسيها والغيورين على مكانتها العالية، فهل ستذهب سكرة البعض وتأتي فكرة أن الدراما السورية ستشهد رغم غيابهم مخاضاً فنياً جديداً..؟!.
سلوى عباس