رأيصحيفة البعث

الصراع المستمر

 

لا يمكن لأي مراقب جدّي الفصل ما بين العدوان الأمريكي الأخير على أحد المواقع العسكرية للجيش السوري وحلفائه قرب مدينة “البوكمال”، وبين تزامن التقدّم اللافت للجيش السوري في المنطقة الشرقية ضد الإرهاب المتمثّل بتنظيم “داعش”، مع اجتماعات الدول الضامنة لمسار أستانا في جنيف لمحاولة تعبيد الطريق أمام الحل السياسي من بوابة “اللجنة الدستورية” المزمع تشكيلها وفق اتفاقات سابقة.
والحال فإن أوجه الترابط بين ما سبق واضح في الشكل والمضمون، فهذا العدوان الجديد لواشنطن و”تحالفها الدولي” المزعوم أتى بعد ثلاثة أيام من تحرير الجيش منطقة كبيرة في البادية الغربية للميادين، وقبل يوم واحد من اجتماع جنيف السابق الذكر، في مؤشّر واضح على رفض واشنطن للأمرين معاً: ضرب الإرهاب باعتباره أداتها الاستثمارية البرية الرسمية، والحل السياسي، خاصة بعد أن وصل إلى هذه المرحلة المفصلية، لأن نجاح سورية فيهما معاً يعني انتفاء الحجة، الكاذبة طبعاً، لوجودها غير الشرعي داخل الأراضي السورية سواء بصورة مباشرة، كما في المنطقة الشرقية التي تريد منها أن تكون منصتها الجاهزة للانقضاض على الدولة السورية، أو عبر مرتزقتها، كما في المنطقة الجنوبية التي لا تتوانى عن التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور فيما لو قرّرت الحكومة السورية بسط شرعيتها عليها، كما تفترض أبسط مبادئ القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة.
وبالطبع يعرف الجميع أن مرحلة الحل السياسي، وإن كان لا زال بعيداً، تحمل معها أخطاراً جديدة، لأن الدول المختلفة المشاركة في العدوان على سورية، وواشنطن على رأسها، لن تسلّم بالهزيمة، وستحاول بكل ما تملك عرقلة هذا المسار سواء عبر التسعير الميداني ضد الجيش أو حلفائه، كما فعلت سابقاً، أو عبر محاولة تفخيخ المسار السياسي – وهو هنا اللجنة الدستورية – بالأشخاص والطروحات المريبة للنفاذ إلى قلب الدولة السورية ومؤسساتها الدستورية والسيطرة لاحقاً على قرارها السياسي والاقتصادي، وبالتالي الحصول بالسياسة على ما عجزت عنه بالميدان، وفي هذا الإطار فقط يمكن قراءة الحراك الفرنسي القديم والمستجد في هذا المجال، كما الحديث الأمريكي، وإن بلسان آخرين، عن ضمان حصص سياسية لأطراف معينة على الطريقة اللبنانية مستفيداً، أي الأمريكي، من أوهام طفولية للبعض أو تناقضات طبيعية محلية ذات بعد سياسي أو اقتصادي يمكن، بل يجب، حلها ضمن حوار سوري سوري معمّق ومباشر وصريح، أو، وهذا الأخطر، البحث “الإسرائيلي” العلني عن ضمانات سياسية أمريكية ودولية تشرعن احتلالهم للجولان السوري، وضمانات أمنية مستقبلية لا تقتصر مفاعليها على الجنوب السوري فقط، بل تتجاوز ذلك لدور سورية ومحور المقاومة في الشأن الفلسطيني بأكمله.
خلاصة القول: بالأمس كان للمسار السياسي حضوره في جنيف، كما كان لأعداء هذا المسار حضورهم في “البوكمال”، ويبدو واضحاً أن السباق اليوم هو بين هذين الحضورين المتناقضين والمتنافرين حكماً، خاصة في هذه المرحلة الهامة على مستوى المنطقة التي تشهد محاولة بناء هيكلية جيوسياسية جديدة لإنهاء القضية الفلسطينية عبر “صفقة القرن” التي يساهم بعض العرب فيها، وما دام الموقف السوري رافضاً للتفريط بالسيادة الوطنية أو قضايا العرب القومية، فعلينا أن نتوقّع “بوكمالاً” آخر مع كل تقدم للجيش السوري في الميدان، أو تطوّر إيجابي في مسار الحل السياسي، والصراع مستمر.
أحمد حسن