الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في قيمة البعث والناصريّة

 

 

عبد الكريم النّاعم
ما سأطرحه هو بعض إشارات أوّليّة فيما يتضمنّه العنوان، أو يوحي به، ولقد قدّمت مفردة “البعث” لسبْقها التاريخي لطرح شعار الوحدة والحريّة والاشتراكية، متجاوزا الآثار المعنويّة، والواقعيّة التي حُمّلت الكثير من السلبيات، ورغم هذا فما زلتُ أعتقد أنّ ما أنتجه المفكّرون القوميّون، العروبيّون، التقدّميّون، وما تضمّنته بعض مقرّرات هيئات وأحزاب، تنحو ذلك النّحو،.. ما تزال أصلح ما يمكن تبنّيه، للخروج من المآزق الخارجيّة والداخليّة التي عصفت بهذه الأمّة، ولن يُثنيني عن ذلك الانفعالات غير البصيرة التي جرفت البعض إلى الدخول في مضائق القطريّة التي يتوهّم البعض أنّها فرصة خلاص، لأنّني لا أعوّل على الأفكار القاصرة.
نقطة ثانية لابدّ من توضيحها، وقد كرّرتُها مرارا في مقالاتي، وهي أنّ جميع السلبيات التي نتجتْ في إدارة دفّة الحكم، والنّهوض الاجتماعي، في كلٍ من الناصريّة والبعث كان معظمها ناتجاً عن أسباب في رؤية الحلّ الأفضل، ولم تكن هدفا لذاتها، بل هي من مفرزات (السلطة)، ومن عيوبها، أي أن الخلل ليس في (المبدأ)، خاصة وأنّ الفكر العروبيّ لم يُغلق نوافذ الاغتناء، والإفادة، والتعديل، والتجاوز، لأنّه لم يقع في قيد منظومة فلسفيّة تقول أنْ لاشيء قبلها ولا بعدها، وهو ما وقعت فيه الماركسيّة، وأؤكّد على نسْب السلبيّات إلى (السلطة) لا إلى (المبدأ)، ليس تسويغا لانتشار تلك السلبيّات التي تضخّمت حتى أصبحت تشكّل خطرا حقيقيّا على جسم الأمّة.
لقد أنجز البعث والنّاصريّة كلّ المكاسب العماليّة والفلاحيّة التي شملت البقعة التي كانت تحت سلطتهم، وأرست دعائم مجانيّة التعليم، والصحّة، والاهتمام بالشرائح الاجتماعيّة الغالبة على تكوين المجتمع، وشقّت الطرق، ومدّدت الكهرباء إلى الأرياف، واهتمّت بدعم العديد من المواد التي تحتاجها تلك الشرائح المجتمعيّة، وأحدثت تنمية حقيقيّة، رغم أنّ الحرب لم تتوقّف ضدّها من قوى الغرب الاحتلالي المتصهين، ونعرف جميعا عدد الحروب التي مرّت بنا، وكانت جميعها في خدمة مشروع الاحتلال الغربي المتصهين، وليس ما جرى في سورية في السنوات السبع الأخيرة إلاّ الواحدة الأكبر والأخطر في سلسلة تلك الحروب، ويأتي في مقدّمة ذلك كلّه محاربتها للمشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني في فلسطين، والذي هو محور كلّ صراع في هذه المنطقة، كبر أم صغر، والذين ضيّعوا هذا الاتجاه ذهبوا مباشرة في الاتجاه الصهيوني، وهم عارفون.
ولكي لا تجرفنا بعض الانفعالات الآنيّة، والتي يبدو بعضها في السطح مقبولا عاطفيّا دعونا نفترض أن تلك الانجازات التي اخترنا (بعض) عناوينها لا (كلّها).. دعونا نفترض أنّها لم تكن فكيف ستكون الصورة حينئذ؟!
الآن لابدّ من العودة إلى ترسيخ تلك المكاسب، على ضوء المعركة الكونيّة التي خاضتها سوريّة وحلفاؤها، مركّزين على محاربة الفساد، واستئصاله لكيلا يتسلّل المفسدون، والمغامرون، والذين لا يقيمون وزنا إلاّ لما يدخل جيوبهم.
إنّها إثارة أوليّة، وعسى أن تحظى بالاهتمام الذي يليق بها.
aaalnaem@gmail.com