دراساتصحيفة البعث

روسيا أفضل دون مجموعة السبع

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع: انفورميشن كيليرنك هاوس 14/6/2018

ذكَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القادة الأوروبيين مؤخراً بأن سجالاتهم مع الولايات المتحدة خرجت للعلن لخنوعهم لطموحات الهيمنة الأمريكية، هذه الورطة هي بالضبط التي حذر منها الرئيس الروسي منذ عشر سنوات مضت في خطابه الشهير الذي ألقاه في ميونخ حول الفوضى العالمية المتنامية.

في وقت سابق، أشار بوتين إلى التعريفات التجارية غير المسبوقة التي يفرضها الرئيس ترامب على الدول الأوروبية، وأن هذه العقوبات تمثّل في واقع الحال شكلاً من أشكال العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على حلفائها المفترضين، مؤكداً أن الأوروبيين اليوم يشربون من الكأس نفسه الذي سقته القوى الغربية لروسيا حين فرضت عقوبات على موسكو بسبب مزاعم مشكوك بها تتعلق بصراع أوكرانيا الذي استمر قرابة أربعة أعوام.

كانت التداعيات العنيفة لحرب ترامب التجارية الفعلية مع أوروبا وكندا واليابان واضحة تماماً خلال قمة مجموعة السبع التي عقدت مؤخراً في كيبيك، حيث انتقد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الإجراءات التجارية الأمريكية “غير القانونية”، في الوقت الذي تخلى فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن “العلاقة الودية” مع ترامب، ليعلن أنه قد يُعاد تشكيل مجموعة الدول الصناعية الغربية، بالإضافة إلى اليابان، لتصبح “G6” دون الولايات المتحدة، للتصدي “لهيمنة” واشنطن.

وأعرب رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك متحدثاً باسم الكتلة الأوروبية، عن شعوره بالإحباط بسبب ازدراء واشنطن المتزايد إزاء التعددية بقوله: إن الولايات المتحدة في ظل إدارة  ترامب  تدمر “النظام العالمي القائم على القواعد، ولنعد إلى خطاب بوتين في مؤتمر ميونخ الأمني عام 2007، منذ أكثر من عقد من الزمان ، حيث ألقى الزعيم الروسي تحذيراً واضحاً في ذلك الوقت، مؤكداً أن طموحات الهيمنة الأمريكية على سلطة أحادية القطب ستؤدي حتماً إلى خلل بالتوازن العالمي،
ومنذ عام 2007، حذر بوتين صراحة من أن مسعى واشنطن لتحقيق هيمنة عالمية منقطعة النظير سيأتي في نهاية الأمر بمزيد من الفوضى إلى القانون والنظام الدوليين، كان ذلك خلال ذروة الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، والتي وافقت عليها الدول الأوروبية بخنوع، رغم أن هذه الحروب غير قانونية، وتطلق العنان لمشكلتي الإرهاب، وأزمات اللاجئين العالمية المستمرة.

كان الهدف الأساسي لخطاب بوتين في ميونخ منذ أكثر من عشر سنوات يدور حول عدم إمكانية مواجهة النظام العالمي متعدد الأطراف والدبلوماسية أمام الهجوم الذي يمكن أن يكون مهيمناً، سواء كان من الولايات المتحدة أو أية قوة أخرى، واليوم، تم إثبات صحة تحليل الرئيس الروسي، وهذا ما تؤكده صدمة الأوروبيين والكنديين الذين يتعامل معهم المتسلّط الأمريكي على أنهم التوابع ليس أكثر.

تظهر واشنطن في ظل إدارة ترامب دواخلها الحقيقية في معاملتها مع “حلفاء” مفترضين، فلا تنظر لحلفائها إلا بوصفهم عملاء عليهم أن يقدموا عطاءات للرأسمالية والامبريالية الأمريكية، ولا يُسمح لهم بأي اعتراض، تحت طائلة الانتقام الاقتصادي  الذي يتجرع مرارته الأوروبيون والكنديون بشكل خاص.

لا يمكن أن تقدم مجموعة السبع المنقسمة والمتناقضة الكثير مقارنة بالقمة الموازية التي تجرى في الصين، وخلال عطلة نهاية الأسبوع رحب الرئيس “شي جين بينغ” بحرارة ببوتين، وقادة إيران، والهند، وباكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان في الاجتماع السنوي لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وحظي بوتين  الذي وصفه الرئيس كأفضل حليف بميدالية، وأكد مندوبو المنظمة على الأهمية الاستراتيجية للتعاون الأخوي والتعددية، وهو ما يتعارض تماماً مع الأزمة التي حدثت في مجموعة السبع في كندا، في هذين الحدثين، تظهر رؤيتان متناقضتان للعلاقات الدولية، حيث سادت البلطجة الأمريكية للهيمنة الأحادية على مجموعة السبع،  في حين أن منظمة شنغهاي للتعاون تعلن بداية جديدة في عالم اليوم متعدد الأقطاب: الأولى وصفة لتأجيج الصراعات والحرب، والثانية السبيل للمضي قدماً لتحقيق الرخاء المشترك والتنمية والتعايش السلمي، ومن المفارقات أن القوى الأوروبية الحالية لم تنضج بما يكفي، وباعتراف الجميع، ويبدو أن مصالحهم المسحوقة تدل على إدراكهم بأن واشنطن استخدمتهم لتحقيق رغباتها في الهيمنة.. إن الأوروبيين والكنديين “يرغون ويزبدون” بوهن متحدثين عن “إثبات وجودهم” دون أمريكا،
ومع ذلك، بالرغم من كل الضجيج، لاتزال الدول الغربية التابعة غير ناضجة، ومن المفارقات أن ترامب هو الذي قال قبل قمة مجموعة السبع إنه ينبغي إعادة روسيا إلى المنتدى، في السابق كانت روسيا عضواً في مجموعة الثماني، ولكن بعد الأزمة الأوكرانية في عام 2014  قام الأعضاء الآخرون بطرد موسكو من النادي بسبب المزاعم المجحفة حول زعزعة روسيا لاستقرار أوكرانيا، و”ضم” شبه جزيرة القرم،
ومن جانبهم ، يبدو أنه لاتزال هناك أشواط أمام القادة الأوروبيين ليصلوا إلى رشدهم، بغض النظر عن الصوت المخالف لرئيس الوزراء الايطالي الجديد جوزيبي كونتي.

في الواقع رفضت الكتلة الأوروبية عرض ترامب الاسترضائي لروسيا، وقالت ميركل وماكرون وآخرون إنه لن يتم تطبيع العلاقات مع روسيا “حتى تتم إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا”، ولكن عانت أوكرانيا من عدم الاستقرار نتيجة تدخل كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي غير القانوني بشؤونها، وصَوت شعب القرم في استفتاء قانوني للانضمام إلى الاتحاد الروسي، لذا يجب على أوروبا أن تتخطى هذا الوهم، وتتوقف عن اختلاق مطالب غير مجدية حول روسيا،
في واقع الأمر، ألحق الاتحاد الأوروبي أضراراً فادحة باقتصاديات دوله الأعضاء بخنوعه لأجندة حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة ضد روسيا، وقلد الأوروبيون واشنطن بفرضهم عقوبات صارمة ضد موسكو من دون أي سبب معقول، مستندين إلى مزاعم جوفاء ومهينة حول “التدخل” و”العدوان” الروسي.

بعد مضي ما يزيد عن عشر سنوات على خطاب بوتين، يدرك القادة الأوروبيون “ببطء” تحذير بوتين حول التسلّط الأمريكي، وهيمنة الأحادية القطبية، و”الاستثنائية” المتغطرسة، والعبارة النافذة هنا هي “ببطء”  لم يدرك الأوروبيون- الحكومات الأساسية ومؤسسة بروكسل- بعد أنهم يلعبون دور الأتباع  لصالح واشنطن، كما يتضح من خلال وجهات نظرهم غير المنطقية حول روسيا وأوكرانيا، كما لايزال القادة الأوروبيون- باستثناء ايطاليا وبعض الدول الأخرى- عالقين داخل دور عبودي عبر الأطلنطي لخدمة الامبريالية الأمريكية، ومن غير المرجح للائتلاف الحالي لمؤسسة الاتحاد الأوروبي أن يخرج أبداً من خضوعه لواشنطن، رغم طرد الأمريكيين له.

ولهذا كان رد الكرملين في نهاية الأسبوع الماضي على “عرض” ترامب بإعادة إقناع روسيا بمجموعة الثماني فورياً، وجاء الرد الروسي على ذلك: “نحن نركز على نماذج أخرى من المنظمات” مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي للمنظمة الآسيوية الأوروبية، والمشروع الأوسع نطاقاً لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، والمنتديات التي تستند إلى التعاون الأخوي والتضامن الحقيقي، لا إلى الاستبداد والنزعة الأحادية.

في شكلها الحالي، فإن مجموعة السبع هي مجموعة من الفاشلين، إنها وجهة نظر تراجعية للعالم،  وليست تقدمية، وروسيا أفضل حالاً دونها.