تحقيقاتصحيفة البعث

منافسة رياضية لتشجيع الفرق خارج الملاعب.. وهتافات حماسية لا تخلو من المرح

 

رغم الظروف والأحداث التي حرمت المنتخب السوري من التواجد والمشاركة في احتفالية كأس العالم هذا العام، لا تتغير لهفة السوريين وشغفهم واحتفاؤهم بتلك المناسبة المميزة التي تتجدد كل أربع سنوات مرة، فيتجدد بانطلاقها الحماس والإثارة، وتبدأ مع مبارياتها التحالفات والتحزبات للفرق والمنتخبات العالمية التي ترسم بفوزها أو خسارتها البهجة أحياناً، والحزن والخيبة أحياناً أخرى على وجوه الملايين من المتابعين والمشجعين حول العالم، ومع انطلاقة كأس العالم في روسيا هذا العام، وانتصاف مرحلة الدور الأول فيه، بدأت أجواء المونديال تتزايد وتظهر في الشوارع والمقاهي التي بدأت بنشر أعلام الفرق المختلفة، وكذلك بعض شرفات المنازل التي تواجدت عليها أعلام بعض الفرق، وربما ساهم نقل هذه المباريات على القنوات الأرضية بإعادة البهجة والاستمتاع بكأس العالم عند عشاق الساحرة المستديرة.

تحزبات كروية

الملفت أنه رغم توفر إمكانية المتابعة عند بعض المشجعين لتلك المباريات في منازلهم، مازالت للتواجد في المقاهي نكهة خاصة، فالأجواء الجماعية تجعل للمباريات نكهة خاصة، وتزيد من جرعة الحماس والإثارة، وذلك بحسب بعض المشجعين الذين شاهدناهم في أحد المقاهي، وكان أبو لؤي أحدهم، وهو رجل أربعيني اعتاد ارتياد المقهى، خاصة عند وجود مناسبة كروية، كأن يلعب ناديه المفضل، فكيف الحال مع كأس العالم، ويبدو الرجل مبتسماً، ويتابع بشغف وفضول يشبه فضول الأطفال الصغار مشاهد من إحدى مباريات المونديال بين اسبانيا والبرتغال متوقعاً الغلبة لاسبانيا في نهاية المباراة، والظفر بكأس العالم أيضاً، بعكس أحد المشجعين التقليديين الآخرين المتواجدين في المقهى أيضاً فقط للمشاهدة، والذين يصطفون مع الكرة البرازيلية، أو الألمانية، أو غيرهما من الفرق التقليدية المتعارف عليها، في حين يتحدث فراس، وهو شاب في الثلاثين من عمره، عن توقعاته المسبقة بخروج الفرق العربية المشاركة سريعاً من المونديال، وخيبة الأمل المستمرة التي يحصدونها في كل مرة، ويعقب: لن يتغير هذا الوضع، فالنجاح حالة متكاملة، والفوز في كرة القدم بحاجة إلى تنظيم على مستوى المجتمع، وهو ما نفتقده في الدول العربية، ويظهر في كل مشاركة في كأس العالم، ولكن، رغم كل ذلك، يبدو هؤلاء الرجال والشباب سعداء ويستمتعون باللعبة والمباريات، ونسوا تماماً هموماً وأعباء تنتظرهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة، معظمهم كان يستذكر فقط أيام الطفولة، وتلك اللحظات التي كانوا يركلون فيها الكرة بفرح وأمان، ويمنون النفس بتأهل منتخبهم لكأس العالم دون أن يتحقق الحلم حتى الآن.

فرصة نادرة

الملفت أن مناسبة كأس العالم التي تتجدد كل أربع سنوات مرة تبدو فرصة نادرة لأصحاب المقاهي ليجمعوا حول طاولاتهم عشرات الشباب، بعد تعديلات بسيطة يقومون بإجرائها تناسب العرس الكروي الطارئ، كل ما يتطلبه الأمر هو اشتراك مدفوع بالقنوات المحتكرة لهذه المناسبة الكروية، مع توزيع بسيط للكراسي، وتعليق الأعلام الخاصة بالفرق المشاركة، إضافة إلى شاشات عرض ضخمة، ومكبرات الصوت، لتسود بعد ذلك أجواء حماسية صاخبة تضج بالهتاف والتشجيع والإثارة حين تمتلئ الصالة بالمشجعين، ومع بداية صفارة الحكم تبدأ أعداد عشاق الكرة الوافدين إلى المقهى بالازدياد،  تبدو ملامح التحدي واللهفة والترقب على وجوه معظمهم، وتدلل القمصان التي يلبسها بعضهم على ميولهم تجاه الفريق الذي حضروا لتشجيعه، المشروبات التقليدية الاعتيادية كالشاي، والقهوة، وعلب الكولا، وحتى المتة حاضرة لتعطي الجلسة مزيداً من الرونق والبهجة، أما النرجيلة فأصبحت عند البعض مطلباً أساسياً “للمخمخة” على أجواء المباراة، ومع أول الأهداف دائماً ما يعلو تصفيق شديد، وبهجة من المشجعين مقابل ملامح خيبة وتململ واستياء، ودعوات على الحكم من قبل مشجعي الفريق الآخر.

كل هذه المظاهر تعود بذاكرتك إلى قول أحد المشاهير: “كرة القدم هي الاوبرا التي يعزفها البشر جميعاً”، فرغم اختلاف الميول، واختلاف أهواء المشجعين الذين شاهدناهم، تجدهم موحدين، لغتهم البهجة، وعنوانهم الفرح.

أجواء خاصة

في مكان آخر يُحضّر حسن، أحد مشجعي المنتخب البرازيلي، طقوساً مميزة لملاقاة المونديال هذا العام، أرسل الرجل العاشق لهذه المناسبة الكروية أسرته وأولاده لزيارة منزل جدهم في إجازة العطلة الصيفية، زيارة تبدو ضرورية لخلق أجواء خاصة بمشاهدة مباريات كأس العالم التي تحتاج، كما يقول، للتركيز، والهدوء، و”الرواق”، وزّع حسن أيضاً ما تبقى من أيام إجازاته على المباريات الهامة، فالاحتفالية الكروية هذا العام طويلة، وتتضمن مباريات مختلفة وشيقة، وستؤدي حتماً لانشغاله عن العمل، وحاجته إلى الإجازة والاسترخاء، والجميل بالنسبة لذلك الرجل هو تحسن الواقع الكهربائي، وعدم انقطاع الكهرباء بعكس ما كان يحدث سابقاً، وفي كل يوم ابتداء من الثالثة عصراً تبدأ الجلسة الكروية لحسن بغداء خفيف مع بعض المقبلات، لتتتالى المباريات، وتزداد المتعة الكروية في قلب العاشق للكرة، أما الانفعال والصراخ في لحظات الخسارة فلا مشكلة فيه في منزل فارغ، يؤكد حسن في ختام حديثنا معه: اللقب في هذا العام لعشاق السامبا، ويقول: “السيليساو” قادمون.

في المقابل تشكو أم رامي، وهي ربة منزل أربعينية، زوجها الذي حرمها من متابعة التلفاز منذ أكثر من أسبوع مضى، وهو موعد افتتاح مباريات كأس العالم، حيث قام بمد مجموعة من “الشرائط والتوصيلات” لتأمين ظهور القنوات الأرضية، وتبدو تلك السيدة مثل معظم النساء الذين لا يتابعون مباريات كرة القدم، ويشكون انشغال الرجال بمتابعتها، وتتحدث كيف قام زوجها بتحويل الصالون لديها إلى صالة للتشجيع حين يدعو بعض أصدقائه للمشاهدة، في حين تحرم هي من مشاهدة مسلسلاتها وبرامجها المفضلة.

تحدي السوريين

يعيد مشهد بعض السوريين الذين تشاهدهم وهم يقومون بضبط هوائياتهم على ترددات القنوات الأرضية التي كسرت احتكار المونديال هذا العام إلى سنين خلت كانت فيها هذه المناسبة حدثاً مجانياً متاحاً للجميع، وطبعاً خطوة نقل المونديال على إحدى القنوات الأرضية أفرحت السوريين، وأدخلت السرور والبهجة إلى قلوبهم بعد أن حرموا متعة مشاهدة المونديال السابق، ورغم أن بعض المحافظات في المنطقة الساحلية لاتزال حتى الآن محرومة من هذا النقل لضعف بث الإرسال لديها، وتستعين بقنوات فضائية أخرى تنقل هذا الحدث، إلا أن خطوة النقل كانت بحد ذاتها تشكّل تحدياً كبيراً لتلك الدول التي تعتقد أن امتلاكها أموال النفط يعطيها الإذن بسرقة أفراح الناس مثلما فعلوا سابقاً حين اشتركوا في المؤامرة على السوريين، لكن تحدي السوريين يكتب أمام ناظري من احتكر هذا الحدث عنواناً جديداً يقول: “لن تحرمونا من الفرحة”.

محمد محمود