تحقيقاتصحيفة البعث

مواجهات لإثبات صحة الرأي والتصرف.. ووجهـــات نظــــر لا تقبـــل الحــــــــــوار

لم يشعر أحمد بالتعب وهو يجادل والده لمدة ساعتين متواصلتين في محاولة منه لإقناعه بوجهة نظره حول موضوع يتعلق به، لينتهي الجدال الميئوس منه بانسحاب أحمد ذي الخمس عشرة سنة في نهاية الجلسة خائباً منهكاً، وكأنه خرج للتو من معركة ضارية مهزوماً لا حول له ولا قوة.

لا شك في أن هذا المشهد يتكرر مراراً في جميع المنازل في محاولة الأبناء والآباء لإقناع بعضهم بوجهات نظرهم دون جدوى، وعلى الرغم من أن كل جيل يعيش في عصر مختلف تماماً عن الجيل الآخر من حيث الظروف، والواقع، والإمكانيات، والعادات، والتقاليد، إلا أن أحداً لا يتنازل عن رأيه، ليبقى صراع الأجيال داخل المنازل، وفي العمل، وبين الأصدقاء، ظاهرة قديمة متجددة تلبس في كل زمن حلّة جديدة من المواجهة بين الأجيال المختلفة، فما هي أسباب هذه المواجهات؟ وما هي أنسب طرق التعامل معها؟.

اختلاف

النظرة السطحية للآباء عن أبنائهم، واختلاف نوع الأطعمة المحببة، وطريقة اللباس، وطريقة التعامل مع الناس، وأسلوب تمضية الأبناء ليومهم، وغيرها من السلوكيات تخلق في كل لحظة سبباً للخلاف الذي يؤدي إلى مشكلات نفسية لدى الأبناء أهمها التمرد، ورفض الحياة مع الأهل عند بلوغهم سن العشرين، واختيارهم العيش لوحدهم بعيداً عن الضغوطات النفسية، خاصة في ظل تشبث الأهل بآرائهم، وعدم قدرتهم على التعايش مع المتغيرات التي يفرضها التطور التكنولوجي والعلمي وغيره، في المقابل نجد بعض الأبناء لا يجدون في تدخل الأهل بحياتهم أية مشكلة، بل على العكس قد يأخذ الكثير منهم بنصائح الأهل، ووجهات نظرهم المختلفة عن وجهات نظر الأبناء من مبدأ: “أكبر منك بيوم أعلم منك بدهر”، وعلى الرغم من محاولتهم لإسقاط نصائح الأهل على مشكلاتهم، إلا أنها في أغلب الأحيان تبوء بالفشل، لأن نمط الحياة اختلف، واختلفت معه طريقة التفكير، ومعالجة الأمور التي من الصعب حلّها اليوم على نهج ومنطق وظروف جيل الخمسينيات والستينيات!.

تطور تكنولوجي

لا يمكن أن ننكر أن صراع الأجيال قديم متجدد مع كل عصر وفق معطيات هذا العصر، لكن التطور التكنولوجي الكبير الذي حصل في الآونة الأخيرة خلق فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء، ليجد الأبناء في هذه الوسائل ملاذاً لهم بعيداً عن تسلّط الأهل، ورغم أن الكثير من الدراسات جزمت بأن وسائل التواصل الاجتماعي قد فككت كثيراً من الروابط الأسرية التي اعتدنا عليها، ووردت لنا الكثير من الأفكار الشاذة تحت مصطلح الحريات دون قيود الأهل، إلا أن أحداً لم يستطع الوقوف في وجه هذه الوسائل في محاولة ضبط تأثيراتها السلبية على علاقة الأهل بالأبناء، ليبقى الحل الوحيد اللعب على وتر الأبناء من خلال تحجيم فترة تعرّضهم لهذه الوسائل منذ الصغر في محاولة لإبعاد الأبناء قدر الإمكان عن تأثير هذه الوسائل على علاقتهم مع أهلهم، وفي هذا الإطار أكدت دراسة حديثة بأن الأطفال والمراهقين الذين ينشؤون تحت كنف أولياء أمور متسلّطين، يميلون إلى رفضهم في مستقبل حياتهم، حيث يتغلب الشعور بالاستياء والنفور من الآباء على مشاعر أبنائهم بسبب الضغوط النفسية التي يسببها تدخل هؤلاء الآباء في حياة أبنائهم، وعدم منحهم الفرصة للاختيار حتى في أبسط الأمور، وشبهت الدراسة هذا النوع من الآباء والأمهات (المتسلّطين) بطائرات الهليكوبتر التى تحلّق فوق رؤوس الأبناء طوال الوقت، فتراقب تصرفاتهم، وتعد عليهم أنفاسهم!.

طرق سليمة

بين افتقار هذا الجيل للأخلاق، وبين التطور التكنولوجي، يرافقه انشغال الأهل بتأمين متطلبات الحياة الأساسية في ظل ظروف معيشية صعبة، وجدت الدكتورة رشا شعبان أن هذه الأسباب مجتمعة خلقت وتخلق هوّة كبيرة بين الأجيال في الوقت الراهن، وهذه الهوّة كانت موجودة، ولكن ليست كما هي اليوم في ظل ظروف غير طبيعية، وبالتالي لا يمكن أن ينشأ جيل طبيعي، فمسألة فقدان الأخلاق في هذا الجيل، ورفضه لجميع القيم والتقاليد الموروثة، شكلّت عائقاً كبيراً في تربيتهم، ومحاولة زرع بعض القيم السامية التي تربينا عليها، وبالتالي لابدّ من إعادة تأهيل الأهل والمعلم على السواء لممارسة دورهم في تربية الجيل الحالي على الأخلاق التي من دونها لا يمكن بناء مجتمع سليم، كذلك يجب على الأهل إيجاد طرق سليمة للتخفيف من سلطويتهم، وأن يتفهموا الجيل الجديد، وأن يحاول الجيل الجديد في المقابل استيعاب الجيل الماضي لتكون هناك آلية للحوار بين الطرفين، مع الوعي الكامل في التعامل بين الجيلين لتجاوز أخطاء كلا الجيلين.

ميس بركات