دراساتصحيفة البعث

ميركل بين مطرقة الهجرة وسندان المشاحنات الداخلية

 

سمر سامي السمارة

صمدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حتى الآن في مواجهة خلاف هو الأقسى منذ سنوات مع حليفها حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي ((CSU، ووزير داخليتها بسبب تبنيها “سياسة الأبواب المفتوحة” أمام اللاجئين عام 2015، ويرى مراقبون أن هذا الخلاف يمكن أن يهدد بتمزيق ائتلافها الذي تشكل قبل ثلاثة أشهر وبتراجع شعبية ميركل وتقويض زعامتها.

وأثار حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري، شقيقها الأصغر في التحالف، هذا الخلاف حيث وضع زعيم الحزب وزير الداخلية، هورست سيهوفر، خطة للهجرة من شأنها تمكين ألمانيا من إعادة اللاجئين إلى الحدود إذا كانوا سجلوا طلبات اللجوء في بلد آخر في الاتحاد الأوروبي، وهي الخطة التي رفضت ميركل تنفيذها، ما أدى إلى فشل المفاوضات بشأن نص هذا المشروع.

في الواقع، يعود تاريخ النزاع إلى عامي 2015 و2016 – ذروة أزمة اللاجئين في أوروبا – حيث قررت ميركل فتح حدود ألمانيا لتدفق اللاجئين الفاريين من الحروب. كان هذا التحرك ومازال مستحيلا بالنسبة لألمانيا التي تحافظ على سياسة الباب المفتوح حتى مع تحرك بعض جيرانها الأوروبيين لإغلاق أبوابهم، وترى ميركل “أن الهجرة غير الشرعية واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي”، مضيفة: “علينا عدم التصرف منفردين وبصورة غير منسقة وعلى حساب دول ثالثة”، لكن زملاءها في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي لا يرون الأمر بهذه الطريقة. ولمواجهة الانتخابات المقبلة، في تشرين الأول في بافاريا، لا يفكر الحزب على المدى البعيد، بينما تحرص ميركل على التأكيد للناخبين أنها تأخذ مسألة الهجرة على محمل الجد، وأن ذلك خيار أفضل من حزب البديل لأجل ألمانيا (AfD)، الحزب المناهض للمهاجرين الذي ظهر كمنافس رئيسي لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في ولاية طالما اعتبرها الحزب معقلا له، في الوقت يؤكد ماركوس سودر، المنتمي لحزب الاتحاد الاجتماعي ورئيس وزراء ولاية بافاريا على أهمية تأمين الحدود “يجب علينا في النهاية تأمينها بشكل فعال”، مضيفا: “لا يمكن لألمانيا أن تنتظر أوروبا إلى ما لا نهاية، وعليها أن تتصرف بشكل مستقل”.

تخشى المستشارة أيضا من أن يؤدي إغلاق ألمانيا أبوابها إلى قيام دول أوروبية أخرى إلى فعل الشيء نفسه، وهو احتمال يهدد بالإسراع في انهيار نظام الحدود الداخلية للكتلة الداخلية، والذي يسمح بحرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي. و”بصرف النظر عن الجدل الإنساني”، أكدت ميركل أيضا على ضرورة تعزيز أمن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي للتمكن من الحفاظ على حرية انتقال رؤوس الأموال والبضائع.

تلعب ميركل الآن في الوقت الضائع على أمل أن يتم طرح هذه القضية – وحكومتها مستمرة – إلى أن يتم عقد اتفاقات مع الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في قمة الاتحاد في وقت لاحق من هذا الشهر، وقد منح مجلس قيادة الحزب، بالإجماع، المستشارة مهلة أخيرة من أسبوعين حتى قمة الاتحاد الأوروبي المقررة في نهاية حزيران الجاري من أجل التوصل إلى حل أوروبي بشأن سياسة اللجوء، وفي حال عدم التوصل للاتفاق سيتم البدء بإرجاع طالبي اللجوء وهي خطوة من شأنها أن تقلل من شأن الحكومة وتؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة.

وحذر زيهوفر في مقالة نشرت في صحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” بأن “من الجوهري أن تتخذ قمة الاتحاد الأوروبي قرارات أخيرا”، معتبرا أن تماسك أوروبا وألمانيا على المحك، مضيفا بأن “الموقف خطير لكن يمكننا تجاوزه”، مؤكدا في الوقت ذاته على أنه لا يسعى إلى اسقاط المستشارة أو إقصائها.

ويرى مارسيل ديرسوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كييل، أن “وحدة الخدمات الاجتماعية تحاول اتخاذ موقف صارم بشأن الهجرة من أجل جذب الناخبين، ولديهم حافز قوي للقيام بذلك. لكن ليس لديهم حافز قوي للإطاحة بمستشارتهم، خاصة أنها لا تزال تحظى بشعبية كبيرة”.

وجاء الموقف الأكثر لفتا للأنظار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ غرد معتبرا أن الشعب الألماني “ينقلب على قادته” في الوقت الذي تهز به الهجرة الائتلاف الحاكم الضعيف أصلا، في إشارة غير مباشرة إلى ميركل. وأضاف ترامب: “خطأ كبير في كل أنحاء أوروبا السماح بدخول ملايين الأشخاص الذين غيروا لهذا الحد وبعنف ثقافتهم”.

ويرى مراقبون أن المواجهات الحالية بين ميركل ووزير داخليتها قد تكون مرتبطة بالانتخابات المحلية المقبلة في إقليم بافاريا، حيث يأمل الحزب المحافظ الاحتفاظ بالأكثرية فيه.

هذا النوع من حلقات السجال قادر على تقليص سلطة ميركل وهورست في آن معا، وربما يشهد الأسبوع القادم وضع جديد ومستشارة جديدة.