ثقافةصحيفة البعث

“الجبار” حكاية الطموحات البشرية وخيالاتها

يعتبر “التطور” أحد أهم هواجس البشرية، سواء من الناحية المعيشية وتسهيل الحياة كالتطور التكنولوجي والتقني، أو من ناحية التطور العلمي الطبي لاستمرار البشرية، وحول هذه النقطة تدور العديد من النظريات وأغلبها يصبّ في أن الحل الأمثل هو تحفيز التطور البشري من جديد.. ومن سيثقل كاهله بإنقاذ البشرية إن استدعى الأمر؟ بالتأكيد أمريكا والدول الحليفة لها بـ”الناتو” كما يصوّر لنا فيلم “الجبار-Titan”.
يقصد باسم الفيلم كوكب زحل في بدايته والبطل في نهايته، هو من إخراج لينارت راف وﺗأليف ماكس هورويتز، ويصنف ضمن فئة الخيال العلمي والتشويق، بدأ تصويره شباط 2016، وحقق إيرادات فاقت 100مليون دولار إلى الآن، وعلى اعتبار أن التصوير والإنتاج اسبانيين، ساهم الجيش الإسباني بجنوده وشاحناته في الفيلم، وبهذا تكون هذه المشاركة الأولى له على الإطلاق في فيلم دولي.
يروي الفيلم تفاصيل عن معاناة الجنود المختارين وعائلاتهم، مما نودّ مشاهدته ومما لا نرغب حقاً.. تعاني الأرض في العام 2048 اكتظاظاً بالسكان وبالتالي صراعات عنيفة على موارد البقاء على قيد الحياة، فيبحث العلماء عن بديل للأرض ويكون الخيار القمر الثاني في مدار كوكب زحل، بقيادة البروفيسور مارتن (توم ويلكنسون) يتم اختيار ريك جانسِن (سام ورثينغتون) الطيار الأمريكي البارع ليكون جزءاً من تجربة جينية لنظرية التطور القسري للبشر من أجل التكيف مع بيئة الكوكب، تبدو التجربة ناجحة في بدايتها ويكتسب المتطوعون قدرات استثنائية بالسباحة والركض وتحمل البرودة الشديدة وحبس أنفاسهم تحت الماء، ولكن مع مرور الوقت تختلف ردّة فعل كل جندي بحيث يفشل كافة المتطوعين ويقتلون على يد قوات الأمن نتيجة نوبات غضب وعدم التحكم بمشاعرهم أو أجسادهم، يثير هذا الأمر قلق أبيغل (تايلور سكيلينغ) زوجة ريك، فتحاول التسلل إلى مكتب البروفسور لإيجاد إجابات على تساؤلاتها فتكتشف أن الجنود حقنوا بحمض نووي حيواني ليتحضروا نحو التحول إلى النوع البشري التالي، فتقرر مع ريك وابنهما الهرب وبعد كرّ وفر، يُقتل البروفسور وتَستَلم وكالة ناسا المشروع من الناتو وتنجح بإرسال جانسِن إلى زحل، وكالعادة يحكم منطق الحب نهاية كل قصّة غريبة كمَخرَج سري.
برزت في الفيلم العديد من مواطن الاستفزاز والتساؤل، أهمها، ليست المرة الأولى التي يتطرق فيلم غربي للحديث عن تأمين حياة الأسرة مقابل إجراء اختبارات سريّة، والغريب المخيف، أن كثيراً من الحوادث لاقت صدىً سلبيا حول العالم، وخاصة في بريطانيا، عن شبان خضعوا لاختبارات حقيقيّة بحجة أنها لأدوية جديدة، ما يدعونا للتساؤل هل هناك تجارب من هذا النوع بينما نكتب؟ طبعاً إذا اعتمدنا الدعاية الإعلامية السائدة هذه الأيام، أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة يكشفون بأفلامهم وبرامجهم الكرتونية عن فحوى محاولاتهما أو بالأحرى خططهم المستقبلية.
ثم هناك رمزية انتقاء الممثلين بعناية من ناحية الرشاقة البدنية والطَلّة الجذّابة، فهم (الملائكة) الذين يمنحوننا الأمل بالحياة، كما رمزية المشهد الختامي، حيث يلاحظ عدم الإسراف بتصوير كوكب زحل واستخدام تكنولوجيا الغرافيك أكثر من اللازم، والأهم، الشكل الذي يتخذه البطل وهو واقف على تلّة فارداً يديه ليشكل صليباً وكأنه المنقذ الموعود.
وهناك تساؤلان صريحان يلازمان مثل هذه الأعمال، إذا كانت الأرض ستغرق بالتلوث ونقص الطعام وغيرها، لماذا لا نصنع إنساناً خارقاً يتكيف مع ذلك بدلاً من تكبد عناء السفر إلى كوكب غير مأهول بالأصل!؟ وكيف يكون مستقبل البشرية معتمداً على تشويه أجمل مخلوقات الله!؟
سامر الخير