اقتصادصحيفة البعث

بعد أن كثر التجريب..!؟

 

الإدارة الناجحة والحكيمة لديها خيارات ديناميكية مرنة تساعدها على النجاح بذلك؛ لأن نسبة النجاح الإداري بالإنجازات يتناسب طرداً مع كثافة وقوة الخيارات التي تسيطر عليها الإدارة.

يكاد يجمع الكل – من المقومين لمقدراتنا وإمكانياتنا – على وجود حد أدنى من القوة لكل قطاع اقتصادي، ولكن مع ذلك من الصعب –حسب الواقع منذ أكثر من 30 سنة- أن نرى قطاعاً تجاوز المفردات الصغيرة، ما جعل مشهدنا الاقتصادي في أزمة عدم قدرة على التطور الفعلي.

والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا الفشل الكبير في المخرجات العالية، بينما نملك مفردات لمدخلات عالية الميزات؟

للإجابة عن ذلك، نرى أن أي انطلاق لإصلاح إداري للاقتصاد، يوجب علينا الاعتراف بجملة من الحقائق منها.. أن لدينا مفردات ومدخلات اقتصادية ذات قيمة عالية، و لكن ليس لدينا اقتصاد عالي القيمة!

ولدينا أيضاً كوادر تعمل في كل القطاعات، ولكن ليس لدينا إدارة اقتصادية ناجحة، بسبب عدم التناغم الأفقي والعمودي ضمن الشبكة الاقتصادية المتكاملة، وكذلك عدم وجود حافز أخلاقي ونفسي عند كوادر الاقتصاد من جهة البذل والمبادرة والانطلاق.. من منطلق لسان حال كل واحد (بدي أحمي حالي)؛ وفي المقابل والنقيض، لا يوجد ضمانة ثابتة تجعل المسيء يدفع ثمن إساءته!

هذه الآفات الاقتصادية، علاجها لا بد أن ينطلق من الإنسان /الاقتصاد.. ويعود إليه..

مما سبق يسأل خبراء: ماذا لو كانت الإدارة للاقتصاد السوري ليست حكومية، بل من القطاع الخاص؟ وتم الاكتفاء بالموجه الدستوري الأعلى كمحدد لكيفية وجود الإدارة؟

وفقاً للسائلين الأجوبة واضحة، فالكثير من شركات العالم تتمنى أن تدير قطاعاً مثل قطاعاتنا الاقتصادية، ولاسيما الاحتكارية منها؛ لأن أرباحها مضمونة احتكارياً، والنتيجة زيادة إيرادات للخزينة الوطنية، إضافة إلى اكتساب الخبرة للإدارة السورية لتنطلق لاحقاً.

وعليه يرون أن مرجعاً أعلى دستورياً له صفة التشريع الاقتصادي -تاركاً التنفيذ الإداري لذوي الخبرة المجربة عبر الزمن- هو بداية إصلاحية كبرى لا بد منها على صعيد الاقتصاد الوطني.

فالتشريع يرسم ثوابت معيارية، تاركاً للعقل المنفذ الإبداع الإداري في خبراته المتراكمة والمتبادلة دون موانع، تحت سقف المعيارية الثابتة.

لذلك فالمنطق في الحالة السورية يقول: من يصلح للتدمير، لا يصلح للتعمير، ومن هنا تكون البداية، حيث إن استهلاك الزمن دون تطور، هو الدمار بعينه، فالسرعة واجبة لسباق الزمن.

بالعودة إلى منطق تخصيص الإدارة الاقتصادية، نرى أن أي قطاع تستلمه إدارة خاصة وفقاً للمعايير الناجحة، سيحقق قفزة نوعية بامتياز، من حيث التشغيل والإيرادات، ويخفف عبئاً كبيراً على الخزينة الوطنية نحن في غنى عنه.

إن هذا كله يستلزم وجود مجلس اقتصادي اجتماعي، يضع المؤشرات والخطوط.. ويتم تشكيله دستورياً.. وهناك أمثلة دولية وعربية قامت بذلك وحققت نتائج باهرة تستحق على الأقل التجريب بجزء من اقتصادنا.

إن تخصيص الإدارة يسمح بتأهيل جيل إداري ناجح، عوضاً عن الفاشل، وينحي جانباً الإدارة المهترئة، وبعد سنوات معدودة ستكون النتائج: انفصالاً تاماً للذهنية الإدارية القديمة عن القرار الإداري التنفيذي، إضافة  لغياب تأثير الإدارة القديمة كأشخاص على الإدارة الجديدة (انعدام صرف النفوذ الإداري)، وفوق ذلك انطلاق اقتصادي بإدارة نظيفة..

أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن إدارة خاصة نظيفة تعطي خياراً وطنياً ناجحاً.

سقنا ما سقنا، بعدما كثر التجريب في إدارة قطاعاتنا ومقدراتنا الاقتصادية.. ويا ليتنا وجدنا شيئاً غير “التخريب”، قصداً أو دونما قصد!

قال أجدادنا: “الذي يُجرِّب المُجَرَّب علقه مُخرَّب..”؟!

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com