ثقافةصحيفة البعث

الاحتفاء بصالة الحكمية واستثنائية المشهد للمعرض الأول “سوريون”

 

برعاية الأستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة، وحضور لافت من الشخصيات الرسمية، ونخبة من المبدعين والأدباء والمفكرين والفنانين والأساتذة الجامعيين، وفعاليات اقتصادية واجتماعية، أعلن الافتتاح الرسمي لصالة الحكمية باللاذقية، والمعرض الأول (سوريون).

ولأن الفن التشكيلي- صناعة الجمال بألوانه – له حضور راسخ في حياتنا الثقافية، اعتبر المراقبون والنقاد التظاهرة الاستثنائية الخاصة منبراً إبداعياً رائداً، وإضافة جديدة  للحركة التشكيلية في سورية وتياراتها الفنية الخلاقة المتمثلة بمشاركة فنانين مبدعين مسكونين بأسئلة الحياة وثقافة المشهد البصري، الفكر التشكيلي القديم والمعاصر، والتطويري بمفاهيم حديثة، وبالتالي كان اختيار العارضين الأوائل انتقائياً لأسماء لامعة في عالم التشكيل السوري (نحت– رسم):  أبي  حاطوم، إدوار شهدا، د. باسم دحدوح، جميل قاشة، خالد المز، عبد الله مراد، علي مقوص، غسان نعنع، ليلى نصير، محمد بعجانو، مجدي الحكمية، مصطفى علي، د. نزار صابور. ولأن الشغف جوهر الفن ويؤهل صاحبه للإبداع، كانت دعوة صالة الحكمية للشغوفين من الرسامين والنحاتين والزخرفيين والضوئيين، وأيضاً الأطفال العابثين بالألوان إلى أن تكون الصالة منبراً حنوناً دافئاً يرتقي بفنونهم وتجاربهم الإبداعية المختلفة، وبذلك أراد القائمون على الافتتاح والمعرض الأول (سوريون) أن يكون امتداداً رفيع السوية لألق أقدم الحضارات الإنسانية “أبجدية النور أوغاريت” وحدثاً جديراً بالاهتمام بدا معه الفضاء والحضور الكثيف ليس مشهداً تشكيلياً وحسب، وإنما مشهداً اجتماعياً يرتقي بالتفوق السوري الراسخ عبر التاريخ.. تأكيداً لمقولة تصدرت مختلف الإعلانات- اللوحات الطرقية والبروشور- والفيلم التسجيلي المرافق للمعرض (إن حضارة بعمر وعمق الحضارة السورية لا تهزم ولا تموت).

وبعيداً عن القراءة النقدية للوحات المشاركة، ندعو للتأمل بنظرة بانورامية للاحتفاء بالظل والنور، لنجد تبايناً واضحاً في مدارس التشكيل وأساليبها، وقد اتسم بعضها بالحرفية والمهنية التصويرية، واتسم بعضها الآخر بالتجريدية وخاصة في تلك اللوحات التي بدا فيها الإنسان السوري بطلاً بعيداً عن الماديات والأقنعة، كما نجد في لوحات أخرى الألوان المنظمة لإيقاعات التوازن اللوني وعمقها الفلسفي المجازي، كما تكشف بعض اللوحات الأخرى مفردات من الضجيج والثرثرة اللونية الصاخبة وكأنها تعبر عن احتفاليات ملحمية تكوينية، وأخرى ممتزجة بين الواقعية والتجريدية وبما يضيف للتجريب تعدد الرؤى، والتي إذا أردنا الإبحار في فلسفتها وتجربة كل مبدع مشارك على حدة نحتاج لصفحات في البحث والولوج إلى عمق التجارب التشكيلية المؤثرة بنضج دفع بالمتلقي إلى نوع من الحوار الأكثر نضجاً وتأثيراً من معارض كثيرة مرت على ذاكرة المشهد التشكيلي، ولم تسجل ذلك الأثر المستحق لتجارب الفنانين.. وبهذا المعنى تؤكد تجربة المعرض الأول (سوريون) مفهوماً خاصاً بالإبداع السوري الانتقائي والذي يتضمن مفاهيم عدة بين إيقاع الشخصية الذاتية والشخصية الفنية، وخاصة في تحوير الأشكال والوجوه، والمرتبطة غالباً بعلاقات واقعية بين الطبيعة والحياة بكل ما فيها من مكونات الألوان، الأمر الذي تستحق معه جميع أعمال العارضين الأوائل التحية بتنوع تجاربهم وأساليبهم.

اللافت أيضاً في الاحتفاء أهمية التغطية الإعلامية المباشرة لعدد من وسائل الإعلام والإذاعات ومواقع الانترنت، ومن مختلف وسائل الإعلام ، والتي تستحق أيضاً التحية الطيبة، والتي شكلت في التظاهرة احتفالاً استثنائياً لمشهد المعرض على خلفية موسيقا البيانو للعازفة المبدعة “بانا سلمان”، وهي تراقص أصابعها مرسلة مقطوعات من عذب الألحان العالمية، ولتختتم الاحتفالية عناوينها الأولى بمشاركة للمايسترو هادي بقدونس بعزفه البارع على آلة الكمان، مقطوعات موسيقية وطنية سجلت لحظات آسرة رددت معها غناء حناجر النجمة الكبيرة أنطوانيت نجيب والفنان ناصر مرقبي وعدد من جمهور الحاضرين الذين عبروا بنشوة عن غبطتهم بظاهرة تعتبر سابقة أولى رديفة للثقافة السورية، وفي الختام وزعت شهادات شكر وتقدير وفيلم توثيقي بعنوان (سوريون) للفنانين التشكيليين المشاركين وللمساهمين في أعمال تنظيم الحدث السوري المتفوق بامتياز.

إن معظم الفنانين التشكيلين الذين أقاموا سابقاً معارض في اللاذقية من اللاذقية وخارجها سعوا لتحقيقها في كافتيريات ومقاهٍ، وبافتتاح صالة الحكمية يسجل لها أنها المتخصصة الأولى في استضافتها خلال الأيام والأشهر والسنوات القادمة الفنانون التشكيليون الطموحون بعرض تجاربهم (الفن التصويري والتعبيري، والنحت على الحجر والخشب، والتصوير الزيتي والمائي، والرسم على الزجاج والنحاس والقماش والسيراميك والخزف، والرسم بالفحم وبألوان الباستيل.. الخ).. وبالطبع مهمة مثل هذه الصالة تنظيم المعارض الشخصية والجماعية طوال العام بهدف ترسيخ فكر الإبداع بتنوع ذائقة المتلقين، وبذلك تصبح منبراً هاماً في توفير العديد من الفرص لإقامة المعارض للهواة والمحترفين على حد سواء، وأيضاً لمن رفضوا العرض في تلك المقاهي المنظمة لبعض المعارض التشكيلية، آملين ترقب افتتاح المزيد من الصالات المساهمة في تنمية الذائقة البصرية والنشر الأفضل لثقافة الفن التشكيلي وتنشيط الحركة التشكيلية في مجتمعاتنا.

إلياس الحاج