ثقافةصحيفة البعث

“وحدن”.. النساء هن من يصنعنَ الفرق

 

في محاولة جديدة وغريبة لطرح واقع الأزمة السورية، ابتعد فيها أصحاب العمل عن التقديم المباشر للأوضاع التي طالت البلد، جاء مسلسل “وحدن” من تأليف ديانا كمال الدين وإخراج نجدت أنزور ليقدم المفاهيم بطريقة مغايرة عن ما اعتدنا عليه معتمداً على العنصر النسائي في مجمل العمل، فجاء الدمج بين الواقع والأسطورة، بين سطوة الشر ومحاولة الخير للانتصار، بين تشبث الأهل بآرائهم وبين الأولاد الذين يطمحون لحياة جديدة في نظرتهم للمستقبل.
تدور أحداث العمل في قرية منعزلة خارجة أحياناً من خط الزمان والمكان المعروف لولا التلميحات أحياناً أنها معاصرة للأزمة التي تجري في القرى القريبة منها، فقرية “الغيضة” في ريف محافظة السويداء هي مسرح الأحداث، وهي مدينة قديمة تنتشر فيها اللقى الأثرية التي يقارب عمرها الثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، ومنها استفاد المخرج في دعم جو الأسطورة الذي قامت عليه حبكة العمل.
“وحدن” عمل يتحدث عن قرية تطغى عليها “نون النسوة” اللواتي أصبحن وحيدات بعد أن اختفى الرجال من القرية تباعاً على مدار الحلقات في ظروف غامضة، فتقف النسوة لمواجهة الظروف التي تستجد أمامهن، وكن قادرات على حل المشاكل والقيام بأعباء الرجال وأعمالهم لمواصلة الحياة وتأمين مستلزماتها والتغلب على الضغوطات وحماية قريتهن ومنازلهن من الغرباء.
انتقل العمل من عالم الواقع إلى عالم الأسطورة والخيال في تناغم بين الأحداث مع إغراق في الرمزية المحيرة من بداية العمل، ليكشف في النهاية عن العقدة المطلوبة وكشف الرموز التي كانت محور القصة، فالأسطورة تقول بأن هناك كنزاً في هذه القرية، لا يمكن الوصول إليه إلا بعد جمع اثنتي عشرة تميمة كانت حكيمات القرية قد وضعن لعنة عليها حتى لا يطمع أحد بالكنز. الانتقال بين الماضي والحاضر، بين الخيال والواقع كان معتمداً على بطلات العمل أنفسهن، واستطعن تأدية أدوارهن ببراعة وإتقان دون أن يضيع المشاهد، فالبطولة كانت جماعية عندما تلعب إحدى الشخصيات دوراً أساسياً وتسرد حكاية من الحكايات تصبح كل الشخصيات التي حولها كومبارساً يخدمون حكايتها.
في “وحدن” تم تسليط الضوء على نقاط عدة منها دور الدين في المجتمع ففي أغلب الحوارات كانت الفتيات تسألن أمهاتهن عن حجم الظلم الذي يلحق بهن، ماذا فعلن كي يعاقبن بهكذا مصير؟ من دون أي إجابة من الطرف الآخر فتقف الأمهات عاجزات عن الإجابة مرددات فقط جملة تعودن على سماعها “هي حكمة الله”، يقدم العمل طرحاً جديداً، هل فعلاً حقيقي ما يحدث، لأن هناك حكمة إلهية تريد أن تعلمنا شيئاً أم أننا المسؤولين عن أعمالنا وتفكيرنا وأخلاقنا، يهدف تقديم الأسطورة إلى عكس الموروثات التي تراكمت عبر السنين وأصبح البشر من خلالها مقيدين متناسين أنهم في يوم ما هم من ساهم في وضعها وفرض عليها قيوداً حتى أصبح ضرباً من المستحيل التفكير في تغييرها.
ومن النقاط الأساسية التي تم التركيز عليها كانت المرأة وقيمتها وتأثيرها في المجتمع، إذ قدم المرأة تارة خاضعة منكمشة على ذاتها، وتارة ثائرة على وضعها، كانت هناك نماذج مختلفة للمرأة منها غير المتعلمة وهناك المثقفة ايضاً، وفي أحد المشاهد كانت “أم عادل” (نادين خوري) تؤنب ابنها ياسر (مجد فضة) لأنه كان يستغل نجاح الأرملة الشابة (نادين الشعار) قائلة له: لو أن هذه الشابة قد وجدت كتفاً حنوناً يسندها لما كانت قد اضطرت لاستقبال هؤلاء الشبان، في هذا الموقف تعكس “أم عادل” مدى قبح تفكير وتصرف بعض البشر في استغلال وضع المرأة الأرملة أو المطلقة، لكن هذه المرأة ذاتها عندما تُتهم ابنتها سلمى (لمى الحكيم) بأنها ليست فتاة وأنها حامل تجلدها وتعلقها وكأنها ارتكبت الخطيئة الكبرى فانقلبت من الشخص المساند للآخرين إلى جلاد لا يرحم عندما تعلق الأمر بابنتها، في هذه المشاهد البسيطة التي تعكس حياة بأكملها يأتي مدى أهمية تفكير المرأة بنفسها أولاً ثم انعكاسه على أولادها والبيئة المحيطة بها.
أبرز العمل قدرة النساء على تجاوز الصعاب بالتعاون فيما بينهن لإيجاد حلول مناسبة لهن جميعاً، كما أوضح الهوة المتسعة بين الجيلين فكانت الخلافات الواضحة بين الشابات وبين أمهاتهن، بين سيطرة العادات المتوارثة وبين سعي الفتيات لطرح أفكارهن التي تناسبهن، كما يبرز المسلسل قدرة المرأة على النجاح وحب الحياة فعلى الرغم من أحوالهن وظروفهن السيئة إلا أنهن أقمن حفل خطوبة في القرية فقط ليثبتن أن الحياة موجودة وأن الفرح من صنعهن، فتُختصر القصة في “المرأة” التي تمثل كل شيء، فهي الأرض والوطن، والحضارة التي استمدت منها الأساطير، هي الأم التي تسهر على أطفالها، والزوجة التي تحب زوجها، وهي الفتاة في زهوة عمر الفراشات، هي الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً.
علا أحمد