الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مرايا أرواحنا

سلوى عباس

الروح مرآة شخصيّتنا، تعكس خيباتنا وأزماتنا التي نعيشها والتي تصبح عنواناً لحزن يصهرنا في إيقاع رتيب يجعلنا أسرى تداعيات لذاكرة موحشة سوداوية، لا تختزن إلا صور الألم التي تظلّلنا بكآبتها، وتحرمنا من أي تفاؤل أو إحساس بالجمال، ويبقى الحزن هو المسيطر على أرواحنا. ربما كل واحد منّا يعيش وفي داخله شخص آخر حزين مثقل بالأوجاع والهموم، شخص نألفه ولا نستطيع فكاك عهودنا معه أو نقض حالة تشابكه المتعب فينا، نحاول دائماً أن نحجبه عن التمادي في استلابه لنا وتنطّعه علينا في اتخاذ قراراتنا، إنه شخص حزين يهادننا أحياناً ويصقل ابتهاجنا بشفيف شاعريته التي تتبدى عادة في كلماتنا كضوء شاحب ينزف فينا تلاً من الوجع والاستكانات المؤلمة.. هذه حالة نجدها عند بعض الناس ممن تحكم رؤيتهم للحياة سوداوية تجعل الآخرين ينفضّون عنهم، وهناك أشخاص مغرقون في سوداويتهم لدرجة ينشرون طاقتهم السلبية في أي مكان يحلّون فيه، هؤلاء الأشخاص في مرحلة ما من الحياة يتهمون الزمن بما يعيشونه من خيانات جسد تنهكه الأمراض، دون أن يفكّروا لحظة بأن هذه الخيانات لم تأتِ من فراغ، وإنما أتت من إهمالهم ليس لأجسادهم فقط بل لأرواحهم المحكومة بيأسهم، وهؤلاء مهما حاولوا التحايل على حياتهم ونفخ الروح فيها، تبقى رياح الخريف تصفر في أرواحهم. بالمقابل هناك أشخاص قلوبهم نابضة بالحياة يعشقون كل لحظة فيها، تبقى أرواحهم شابّة لا تشيخ مهما عصف بها العمر، وبالتالي هذه الحيوية تنعكس عليهم وعلى من حولهم حالة من الرضا والسعادة، فجَمَال الرُوح هُوَ الشّيء الوَحِيد الذِي لا يَستَطِيعُ الزّمَان أن ينَال مِنه، هؤلاء مدركون أن الحياة قصة قصيرة ألّفها الـزمـن، فيعلّقون أمانيهم على أغصان الشجر دون أن يعطوا بالهم لفعل الريح متيقنين أن أشرعة مراكبهم لن تكسرها عواصف اليأس، لأن قلوبهم عامرة بالمشاعر الصادقة والبعيدة عن الزيف والنفاق، لذلك تبقى الحياة نابضة في عروقهم مهما بلغ بهم العمر، فهل لمرآتنا أن تحدثّنا عن حالنا، عن أيامنا، هل يمكن أن تكذب علينا، هل يمكن أن نكون صادقين مع أنفسنا أمامها، فإذا كنا نتحايل على المرايا العاكسة لصورتنا، كيف لنا أن نهرب من مرايا أرواحنا التي من خلالها نتعرّف إلى حالتنا، حين نقف مع أنفسنا نفتّش عن ذواتنا أين أصبنا وأين أخطأنا، تلك المرايا هي مرايا صدقنا مع محيطنا الذي مهما ابتعدنا عنه يبقى يلاحقنا، وصدقنا مع أنفسنا، هو الميزان الذي نزن به علاقاتنا مع الآخرين، والذين منهم نعرف حقيقتنا، وصوتنا الداخلي يبدد كل إنذارات الحياة، والسرّ كما يبدو يكمن في أننا نحب أن يرانا الآخرون كما نرى أنفسنا وكما تقوله لنا مرآتنا، لكن هل توافق مرايا أرواحنا أن يعود بها الزمن إلى حيث لاشيء يشبهها، وتتناسى كل لحظة حب أو ألم خفقت في شرايينها، وأطلقت في مسامها احتفالات الحياة.. جميعنا نحتاج أن ننتمي لإنسانيتنا وللحياة التي تليق بنا، وما نعيشه من تفاصيل هو صدى لأرواحنا وأفكارنا.