دراساتصحيفة البعث

أستراليا.. الخطوة التالية لمبادرة الحزام والطريق

 

عناية ناصر

عندما بدأ المسؤولون الصينيون يفكرون بالتوسع الاقتصادي في القارة الآسيوية، فإنهم غالباً ما كانوا يعيدون إلى ذاكرة محاوريهم الغربيين خطة مارشال، في تساؤل يبدو غريباً في ظاهره. لقد كانت خطة مارشال مبادرة أمريكية لإعادة بناء أوروبا التي دمرتها الحرب لمنعها من الوقوع تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، لكن خطة الصين، التي أعلنها الرئيس شي جين بينغ في العام 2013، وتجلت في “مبادرة الحزام والطريق”، لا علاقة لها باستعادة البلدان التي دمرت بسبب النزاع المسلح، وهي تهدف المبادرة بدلا من ذلك إلى ربط البلدان الواقعة في المناطق النائية من غرب الصين وما وراءها، ومن خلال بحار شرق وجنوب الصين بالمحيط الهندي، وصولا إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
لكن إذا ما نظرنا عن كثب، يمكن أن نرى تشابها مع مبادرة عام 1948 التي دافع عنها جورج مارشال، الجنرال المتقاعد الذي أصبح وزيرا للخارجية، لأوروبا ما بعد الحرب. وكما هو الحال مع خطة مارشال، فإن شي جين بينغ يقوم برهان شامل ومحفوف بالمخاطر على المستقبل، على أمل أن يتم سحب الدول المختلفة غرب الصين إلى مجال النفوذ الصيني.
وكشأن سابقتها التي قادتها ومولتها االولايات المتحدة، فإن المبادرة تحتوي وفيها العديد من الأوجه، فهي تجمع بين الأهداف الاستراتيجية والصناعية والاقتصادية والجيوسياسية.
تريد الصين تصدير سلعها ليس فقط إلى قارة آسيا وما وراءها، ولكن أيضا خبرتها الصناعية وفائضها التصنيعي، والمعايير التكنولوجية وفلسفة التنمية. باكستان، التي كانت قريبة من الصين سياسيا، تعج بمشاريع البنية التحتية، إذ تتجه القطارات السريعة جنوبا عبر تايلاند وفيتنام، وأكثر من 100 قطار شحن تتجه غربا من الصين وصولا إلى أوروبا أسبوعيا. ويعتبر الكثير من ذلك تجارة واستثمار، وهو أمر كان سيحدث على أي حال، ولكن تشميله تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق يمثل للغرب نوعاً من الصدمة والرعب الجيو اقتصادي.
وتخوض بكين بالفعل منافسة شرسة مع الولايات المتحدة للسيطرة على بحار شرق وجنوب الصين، وهي منطقة يمر عبرها معظم التجارة في المنطقة. ومن خلال سلسلة من الحلفاء، من كوريا الجنوبية واليابان في الشمال إلى أستراليا في الجنوب، تحتفظ واشنطن بلقبها كعاصمة “آسيا البحرية” في المنطقة، على الرغم أنها تواجه تحدياً من قبل الصين.
تريد بكين مواجهة عدم الاستقرار الذي تواجهه قبالة سواحلها الشرقية، حيث تخوض صراعات إقليمية مع العديد من الدول الواقعة غربها، من خلال سياسات تهدف إلى بناء التنمية المزدهرة، وتحقيق الاستقرار في المنطقة. لكن مبادرة الحزام والطريق لا تخلو من مخاطر، وهو الأمر الذي تشير إليه نخبة التكنوقراط في الصين علنيا بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة.
مع موافقة الرئيس شي الشخصية على البرنامج، فإن على البنوك الصينية والشركات الحكومية والخاصة تمويل الاستثمارات في البلدان المستهدفة، لكن البيروقراطيين في البلاد، الذين يضعون في اعتبارهم خسائر بمليارات الدولارات أنفقتها الصين في الخارج في السنوات الأخيرة، في بلدان مثل فنزويلا وأنغولا، قد بدأوا يحثون على توخي الحذر.
يرى لي روجو، الرئيس السابق لبنك Ex-Im Bank، أحد أكبر البنوك المقرضة، أن البلدان التي حُددت للمشروعات الكبيرة قد لا تمتلك القدرة المالية على التعامل معها. ويقول: “هناك عدد قليل من الدول ذات التصنيف الائتماني أعلى من مستوى BB ومخاطر الاستثمار فيها كبيرة نسبياً”، مضيفاً: “إن جمع الأموال الكافية لتطوير هذه الدول أمر صعب”.
في إحدى الحالات، استحوذت شركة حكومية صينية السيطرة على ميناء في سريلانكا بعد أن تعذّر على الشركة المحلية سداد قروض بقيمة 1.3 مليار دولار أمريكي لاستخدامها في بناء المنشأة. تم بناء الميناء قبل سبع سنوات، قبل الإطلاق الرسمي لمبادرة الحزام والطريق. لكن هذه الحادثة كانت بمثابة إحراج لبكين رغم ذلك، لأنها دعمت بعض الانتقادات بأن المبادرة كادت أن تشكل نوعاً من السقوط في فخ الديون.
علاوة على ذلك، فإن سعي الصين لتدويل عملتها الوطنية يعني أن العديد من المشاريع سوف يتعين تمويلها بالدولار الأمريكي، وهو أمر يتعارض مع أهداف المبادرة.
وكما فعلت خطة مارشال بالنسبة للولايات المتحدة، أرادت الصين استخدام مليارات الدولارات من المشاريع لرفع قيمة عملتها، ما منحها في نهاية المطاف نفوذا ماليا عالميا يسيطر عليه الدولار الآن. ولقد عانت العديد من المشاريع، مثل ميناء سريلانكا، من بعض الاتهامات بالفساد، وخلق شعورا بأن بكين تستخدم مبادرة الحزام والطريق لإفادة النخب المحلية. وفي العديد من البلدان، مثل ماليزيا وإندونيسيا، تتردد الحكومات والمنظمات غير الحكومية في دعم المشاريع التي تندرج تحت مظلة المبادرة، لأن تأثير طبقة رجال الأعمال ذوي الأصول الصينية يعتبر مسألة حساسة.
وسواء كانت هذه المشكلات مشكلات عويصة أم عيوب تصميم، فمن السابق لأوانه إطلاق أية أحكام فقد وقعت حوالي 70 دولة على المشروع.
لكن أستراليا ظلت حتى الآن بمعزل عن عوامل الجذب الخاصة للمبادرة، ففي كانبيرا هناك إعادة تفكير هادئة جارية، وقد لا يكون مفاجئاً إذا وقعت أستراليا، ربما ليس على البرنامج بأكمله، ولكن كمبادرة لتطوير شمال أستراليا. وبالنسبة إلى حكومة تبحث عن طرق لإيجاد طرق لإعادة بناء الثقة في العلاقات الثنائية المتوترة، قد تكون مبادرة الحزام والطريق وسيلة مثالية.