تحقيقاتصحيفة البعث

أيام المونديال فرص استثمارية لتحقيق الأرباح.. انقلاب في السلوكيات الاجتماعية.. ونتائج المباريات تشحن التصادمات!

(أنت مع مين؟).. هذا السؤال الأكثر تداولاً اليوم بين معظم الناس، بغض النظر عن اختلافاتهم، وانتماءاتهم، وجنسياتهم، فالحدث الأهم والأبرز الذي يسيطر على كل وسائل الإعلام هو مونديال كأس العالم المقام حالياً في روسيا، والذي ينتظره معظم سكان الأرض كل أربع سنوات ليستمتعوا بمتابعة وتشجيع فرقهم المفضلة، فاللعب هنا له طعم خاص ومختلف ومهم، وربما ما يعطي كأس العالم رونقاً وسحراً مختلفاً، إضافة إلى أن هذه الرياضة تعتبر الأكثر شعبية على مستوى العالم، هو كونها تجعل العالم بالكامل يشاهد ويتابع المونديال الذي يعتبر بمثابة احتفال بجمال كرة القدم، لذلك ترى الملايين عبر العالم ينتظرون هذا الحدث بشغف، فالجميع ينتظر تلك الأهداف المجنونة، والرائعة، والغبية في بعض الأحيان، وركلات الترجيح التي تتسارع عندها دقات القلوب، فهي المناسبة المثالية ليثبت كل منتخب قوته، وأنه يستحق أن يكون في التصفيات النهائية للمونديال علّه يحظى بالكأس.
تقليد شعبي وجماهيري
عادة الألعاب الفردية التي تكتفي برياضي واحد فقط لا تملك جماهيرية واسعة، وهذا ما نلحظه في مختلف تلك الرياضات، أما كرة القدم، وبوصفها الرقم “واحد” في الألعاب الأكثر شعبية، وعلى مستوى العالم، وبين مختلف الطبقات، فنلاحظ أن محبيها يحرصون على متابعتها بشكل جماعي، لا بل يتعدى الأمر إلى أن تكون لكل فريق رياضي رابطة مشجعين خاصة به ترافقه أينما وجد، وهذا ما قدم لأصحاب معظم الكافيهات والمطاعم فرصة ذهبية كان لابد من استغلالها عبر عرض المباريات، وتقديم عروض تشجيعية لمشاهدتها عند مالكي تلك الكافيهات، إلياس حداد مالك أحد المقاهي الشعبية في منطقة باب شرقي يقول: إن المونديال فرصة اجتماعية وحتى عائلية تجمع كل محبي تلك اللعبة، ونحن اليوم في سورية نشعر بلذة خاصة لهذا الحدث الرياضي المهم جداً، وذلك بسبب ما عانيناه في السنوات السابقة للحرب التي أفقدتنا متعة متابعة المونديال السابق، لذلك اليوم ترى آلاف المشجعين والمهتمين الذين يرتادون المقاهي التي تقوم بنقل المباريات، وعلى الرغم من أن معظم هؤلاء الأشخاص بإمكانهم متابعة المباريات في منازلهم، لكنهم يفضلون ارتياد الأماكن العامة كالمطاعم والمقاهي، فالجو الحماسي والمنافسة المحتدمة بين المشجعين تعطي نكهة خاصة، وتشعرك برضى لا يمكنك الإحساس به وأنت تتابع في منزلك مع عدد محدود من أفراد أسرتك، متابعاً حديثه قائلاً: أنا شخصياً أجهز المقهى خاصتي لهذا الحدث منذ أكثر من شهرين، حيث بدأت بالتحضيرات اللوجستية، ولم أوفر جهداً لأتمكن من استقطاب أكبر عدد من الزبائن الجدد، والمحافظة على الزبائن الدائمين لدي، ولا شك في أن المنافسة بيننا نحن أصحاب المصلحة الواحدة تصبح أكثر شراسة كلما اقترب المونديال، مضيفاً بأن معظم الشباب يرون في هذا الحدث فرصة رائعة للتعبير وتشجيع فرقهم المفضلة.

رأي مخالف
الرئيس الفخري لرابطة الأطباء النفسيين في سورية هيثم علي فنّد بشكل علمي وأكاديمي دقيق تسليط الإعلام العالمي على هذه الفعاليات المقامة قائلاً: إننا ومنذ أكثر من أربعين عاماً نتعرّض لما يمكن تسميته التلاعب بالعقول، فاللعبة الأساسية لوسائل الإعلام العالمية اليوم هي تفريغ الشباب لقضايا تافهة تجعلهم بحالة توتر وعصبية دائمة، والظواهر عديدة مثل ظاهرة صناعة النجوم المؤقتين، وما يسمى برامج الواقع التي تنقل حياة أشخاص على مدار أربع وعشرين ساعة، في محاولة منها لتشتيت أذهان الأجيال عن قضايا مصيرية مهمة وعميقة تخص مستقبلهم، ويوضح الدكتور هيثم أنه بالتأكيد ليس ضد الرياضة، بل على العكس يجب أن يكون في كل حي ناد رياضي وموسيقي وحتى مسرحي، ولكن أن تفرّغ الرياضة من قيمتها الأساسية، ومن أن تكون سلوكاً يومياً يجب علينا جميعاً أن نعيشه ونمارسه، إلى ظاهرة إعلامية للشتم، فهذا ما لا يمكن قبوله، فالمسرح، والموسيقا، والفنون بكل أشكالها، والرياضة، والقراءة، وكل ما يُعلي من عقل الإنسان ويرفع من مستوى إدراكه، يجب ممارسته بشكله الحقيقي بعيداً عن الظواهر الإعلامية، فعلى سبيل المثال حياتنا، وممارساتنا الاجتماعية قبل ثلاثين عاماً، وحتى طقوسنا في شهر رمضان، اختلفت، بمعنى شكل ممارسة الحياة اليومية الطبيعية اختلف، حيث أصبحنا ننتظر شهر رمضان لمتابعة المسلسلات الاجتماعية، وهذا ما ينطبق اليوم على كل تفصيل من تفاصيل حياتنا، وهو ما تمت بالتحديد دراسته نفسياً، نحن اليوم نعيش بعزلة تامة، فبداية كان التلفاز، ثم انتقلنا إلى ما يطلق عليه برامج الدردشة والشات، وصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي ظاهرياً تشعرنا أننا مندمجون مع مجتمعنا، ولكن هي في الحقيقة تجعلنا نعيش في عزلة حقيقية، وللأسف ننجر وراءها من دون أن ندرك خطورتها، لنأخذ مثلاً ظاهرة النوادي العالمية التي يشجعها الشباب اليوم، الاسبانية مثلاً، نلاحظ أن معظم هؤلاء الشباب بعيدون تماماً عن ممارسة الرياضة، ومنهمكون بتدخين السجائر والنرجيلة، وهذا ما يعكس التناقض في شخصية الشاب اليوم، لا بل حتى إن الكثير منهم يعاني من أمراض جسدية من المبكر على شاب في العشرينيات أن يصاب بها، لا أريد أن يفهم من هذا الكلام أننا ضد هذه الفعاليات العالمية، أو ضد الرياضة، بل على العكس تماماً، ولكن نحن ضد استثمارها بالطريقة السلبية!.

رياضة بخلفيات سياسية
ربما لهذا المونديال وقع خاص ومختلف، أقله في سورية، فالمثير للاستغراب أن معظم السوريين المتابعين للمونديال يجمعهم الحدث بحد ذاته، ولكن تفرقهم الدول المشاركة به، فنرى الكثيرين مع روسيا باعتبارها حليفاً استراتيجياً وشريكاً وصديقاً أساسياً لنا، خاصة في حربنا ضد الإرهاب، والبعض مع ألمانيا لوجود عدد كبير من السوريين فيها، والبعض الآخر مع فرقهم التقليدية كالبرازيل، والمكسيك، وقلة قليلة جداً مع الفرق العربية التي شاركت في المونديال، وخرج معظمها في الدور الأول من دون حتى أن تتأهل إلى الدور الثاني، وعدم تشجيع معظم السوريين للفرق المشاركة، هذا طبعاً إذا استثنينا مصر، يعود إلى الدور المشبوه الذي لعبته تلك الدول في الحرب على سورية، لا بل حتى انخراطها العلني، فلا يمكن مثلاً أن يُخفى على أحد الدور القذر الذي تقوم به السعودية في دعمها للإرهاب.

حدث يتم استثماره
بشار عيسى، طالب هندسة بحرية في جامعة تشرين، يتحدث بحماس كبير عن انتظاره بفارغ الصبر لهذا الحدث الرياضي العالمي الذي يأتي توقيته متزامناً مع امتحاناته في الجامعة، ما يشعره بخيبة أمل لعدم تمكنه من متابعة كل الفرق التي يشجعها، مضيفاً: نجتمع أنا وأصدقائي في أحد المقاهي الشعبية لمتابعة المباريات بجو مليء بالحماس، وهي فرصة أيضاً للهروب من الجو الخانق والضاغط للامتحان.
يتم استغلال هذا الحدث من قبل أصحاب الشأن التجاري، وهذا ما قام به أحد أصحاب المقاهي في مدينة دمشق عندما خصص طابقاً خاصاً فقط للفتيات ليتمكنّ من حضور المونديال في خطوة فريدة لمنافسة أصحاب المطاعم والمقاهي المجاورة، ومن أجل أن تشعر الفتيات بالراحة على حد تعبيره، فلا يشعرن بالضيق أو الحرج، كل هذا في سبيل تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.
لا شك، مع اختلاف الآراء وتباينها مع مؤيدة لهذه الفعاليات، أو ضدها، أو غير مكترثة أصلاً، يبقى المونديال حدثاً كبيراً لا يمكن تجاهله أو نكران تأثيره ووقعه على الجميع في مختلف النواحي، سواء اقتصادياً، أو سياحياً، أو اجتماعياً، أو حتى سياسياً.

لينا عدرة