ثقافةصحيفة البعث

سورية تقتحم أفلام الإثارة الهوليودية

 

لطالما تفوقت الحرب الناعمة على غيرها من طرق الإخضاع وإثارة الرأي العام وتغييره، وربما أخطر أساليب هذه الحرب “الصورة النمطية” وهي قوالب ترسم تدريجياً صوراً عن فئة من الناس بسبب عرقهم أو جنسهم أو ديانتهم، وتختلف عن الانطباع الذهني أو ما يسمى بالصورة الذهنية التي يمكن تحسينها وتعديلها، بينما لا يمكن ذلك مع الصورة النمطية، لأنها تبنى على أحكام وتصورات مسبقة عن الفئات والثقافات، وغالباً ما تلجأ لها الدول الكبرى لتبرير تصرفاتها تجاه بلد أو جماعة ما، وتعتمد في تعزيزها على ثلاثة طرق، الأوّل من خلال المناهج الدراسية، والثاني عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وأخيراً السينما والمسلسلات التي باتت تغزو العالم بأثره مع تطوّر وسائل العرض وتوفرها.
وسنقتصر بالحديث على الوسيلة الأخيرة، وبتركيزٍ على الإنتاجات الهوليودية التي لم يسلم منها أحد يعادي التوجُهات الغربية والأمريكية، بدايةً تجدر ملاحظة تَغيّر “الهدف” بتغيير الاهتمامات السياسيّة، كفكرة الإرهاب الجديدة القديمة، انتقلت هذه التهمة من الجواسيس إلى الفيتناميين إلى الأيرلنديين الشماليين إلى المسلمين بشكل عام إلى الأفغان ثم العرب وكلّ هؤلاء على اختلافاتهم لا يحملون إلّا الكلاشينكوف، السلاح الروسي الشهير، سلاح الأعداء والأشرار والمهربين والقتلة وغيرهم مقابل استخدام الأسلحة الفردية والأوتوماتيكية الأمريكية كقوة نارية للأخيار (الأمريكيين).
ويعود الهجوم على المسلمين والعرب خصوصاً إلى الأفلام الصامتة مثل فيلم “الشيخ” عام 1921، ليوصف العرب بالقتلة واللصوص، ويظهروا كشخصيات مريبة، وفي عام 1933 تحدث فيلم “البربري” عن مرشد قافلة يحاول دائماً أن يتطفل على السيدة البيضاء الجميلة وهو بالمناسبة أمير لإحدى القبائل العربية، لتأتي التسعينيات بموجة من الأفلام الخبيثة كـ “أكاذيب حقيقية” الذي يصوّر المقاومة الفلسطينية كمجموعة من (الحمقى) والبطل الأمريكي يستطيع القضاء عليهم ببساطة لأنهم إرهابيون، وفيلم “قواعد الاشتباك” حيث يظهر العرب كإرهابيين وغوغائيين، حتَّى الأطفال منهم، الذين يحاول محامي أمريكي، أرسل للتحقيق حول “جريمة” ارتكبتها البحريَّة الأمريكية في اليمنيين العُزَّل، أن يتعاطف معهم ومع القتلى من النساء والمشوهين ولكنَّه يعثر على أحد الشرائط المسجلة والتي يقول فيها المتحدث أنه يجب أن نقتل الأمريكيين كلهم المدنيين والعسكريين.
أما المرأة العربية، فهي غالباً من حريم زعيم قبيلة أو ثري عربي أو راقصة ضمن الحواشي كفيلم “المريض الإنكليزي” وكان لأفلام الأنيميشن حصتها أيضاً، فها هي صورة البدوي الشرير تظهر أكثر من المطلوب في فيلم “علاء الدين” إنتاج عام 1991، وأريد بهذه الأفلام وغيرها ترك ثلاثة انطباعات رئيسة عن العرب، أصحاب مليارات وانتحاريون ونساؤهم راقصات.
وسورياً، جاء ذكرنا لماماً قبل أحداث ما يسمى (بالربيع العربي)، ليبلغ أشده في سنوات الأزمة، كفيلم “القناص الأمريكي عام 2014، الذي يتحدث وكأغلب الأفلام منذ بدء الأزمة السورية، عن سيرة أحد الجنود السابقين ممن تواجدوا أثناء خدمتهم على الأراضي السورية، فها هو الجندي الأمريكي كريس كايل الذي خدم في سورية والعراق قتل أكثر من 160 شخصاً ليضعه هذا الرقم في مرتبة أحد أكثر القناصين فتكاً في التاريخ الأمريكي، ويعتبر الجندي أن ضحاياه متوحشون وأنه غير نادم على قتلهم، وآخر ذكر لسورية جاء هذا العام ضمن فيلم “الجبار” الذي يقطع فيه البطل الصحراء السورية خلال ثلاثة أيام دون ماء أو طعام وهو مصاب جراء استهدافه من الإرهابيين ونجاحه في تأدية مهمته الموكل بها.
وللمفارقة صوّر قبل العام 2011 العديد من المسلسلات والبرامج العالمية في البادية والمدن السوريّة، كبرنامج السيارات الأشهر والأكثر شعبية حول العالم “top Gear” الذي صُوِّر في بوادي العراق وسورية والأردن، وعبَّر الطاقم خلال الحلقة عن حسن الضيافة والأمان.
واستخدم ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدايةً كمدخل للحديث عن سورية في كثيرٍ من الأعمال خلال الأعوام الأخيرة، كمصدر للشخصية الشريرة في ظل عدم وجود كثير من القوميات التي يمكن أن تصور هوليود مواطنيها كأشرار دون مواجهة عواقب، لكن ذلك محفوف بالمصاعب نظراً لأن (داعش) يضمّ مزيجاً من الجنسيات، من الشرق الأوسط إلى أمريكا الشمالية، وبريطانيا وغيرها.
قد يساء فهم العنوان، ولكن أتمنى أن نكون ولو قليلاً لفتنا النظر إلى قضيّة يجب أن تكون محوريّة في خططنا الدرامية على الأقل بحيث نردّ الصاع صاعين.
سامر الخيّر