أخبارصحيفة البعث

روبرت فيسك: هل الشعب الفلسطيني للبيع؟

 

بعد ثلاث حروب وعشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين وملايين اللاجئين، هل يعتقد كوشنير فعلاً بأن الفلسطينيين سيرضون ويكتفون بالدفع “الكاش”؟ أوليس هناك من نهاية لانتهاك وإهانة الفلسطينيين؟
روبرت فيسك طرح هذين التساؤلين باستهجان واستغراب في مقالته التي نشرتها الاندبندنت في الثالث من الشهر الجاري بعنوان “هل الفلسطينيون للبيع؟”، لافتاً إلى أنه عقب اتفاق أوسلو، وعقب “حل الدولتين”، وبعد سنوات طويلة من الاحتلال الإسرائيلي الذي قسّم الفلسطينيين إلى منطقتين AوC متبعاً أساليب الاحتلال التي حددتها إسرائيل، وبعد الاستيطان اليهودي الواسع النطاق للأراضي الفلسطينية المسروقة من أصحابها الفلسطينيين، وبعد مجزرة غزة، وقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثمة من يتجرأ ويطلب من الفلسطينيين أن يرضوا بالمال والدفع “الكاش” وبمنطقة بائسة كعاصمة؟ حقاً، لم يعد هناك حدود للوقاحة!.
وأشار فيسك إلى أنه عندما يُطلب من الفلسطينيين القبول بـ “اتفاق نهائي”، فذلك يعني الإنذار الأخير، وأن اللعبة انتهت، بمعنى نهاية الوطن والمضي إلى الجحيم. القبول بمنطقة فقيرة كعاصمة يعني أن لا نهاية للاستعمار والاستيطان، لا أمن ولا أمان، لا جيش ولا حدود مستقلة، ولا أرضاً موحدة.. مقابل حفنة من الدولارات واليوروهات وملايين الليرات أو الدنانير.
المدعو جاريد كوشنير قال: إن “الشعب الفلسطيني لا يهتم كثيراً بعناصر النقاشات بين الساسة، بل يهتم بالطريقة التي ستمنحه اتفاقاً ما، له وللأجيال القادمة، بفرص العمل وآفاق التنعم بحياة أفضل”، وتساءل فيسك: أولم يلاحظ مستشار” ترامب لشؤون الشرق الأوسط، أن الشعب الفلسطيني، الذي يكافح ويناضل، قد حُرم من أرضه وحياته منذ سبعين عاماً، وأنه لم يتظاهر وينزل إلى الشارع من أجل شوارع وطرقات أفضل، ولا من أجل مناطق ترفيهية أفضل، أو من أجل مطار جديد؟ وهل يعتقد أن سكان غزة نزلوا إلى شوارعهم ومشوا باتجاه جدار الفصل مقابل حياتهم لأنهم يريدون فحوصاً سريرية قبل الولادة؟ وكيف يجرؤ على إهانة شعب عربي بالقول: إن حريته وكرامته وعدالته ووضعه كـ “أمة” ليست إلا عناصر نقاش بين السياسيين؟.
وأضاف: للأسف هذا الجنون لا نهاية له، ويكفي الاطلاع على الصحافة الإسرائيلية التي نشرت تفاصيل “الاتفاق النهائي”، وفي مقدمتها صحيفة هآرتس التي رأت أنه يتعين على الفلسطينيين العزوف عن اعتبار القدس الشرقية عاصمة لـ “دولة فلسطين” المستقبلية، فيما ستنسحب إسرائيل من عدد من القرى في شرق وشمال القدس، من بينها ناحية أبو ديس، لإنشاء “عاصمة” أنموذجية، لكنها ستحتفظ بالمدينة القديمة.. وتضيف الصحيفة: أبداً لن يكون هناك “دولة فلسطينية” مجردة تماماً من الطابع العسكري، وكل المستوطنات اليهودية التي تم بناؤها بطريقة غير قانونية في الأراضي الفلسطينية العربية ستبقى مكانها، وإسرائيل ستسيطر على وادي الأردن برمته، أما حق العودة فلا جدوى من التفكير به. كل ذلك مقابل حفنة من الدولارات ومشاريع البنى التحتية، ومنطقة للتبادل الحر في العريش في سيناء، ودفق من المال في الضفة الغربية، وإدارة جديدة، بعد إقصاء محمود عباس واستبداله برجل جديد أكثر براغماتية وأكثر مرونة”، بحسب الصحيفة.
هنا يشير فيسك إلى أن كل ذلك سيحصل بكرم وسخاء مملكة آل سعود التي يتناقش ولي عهدها مع أبيه الملك الذي لا يريد التخلي عن المبادرة السعودية الأساسية، التي تتضمن دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وبناء على ضعف ملك الأردن الذي تتعرض بلاده لضغوط مالية فرضها صندوق النقد الدولي، ما أثار هيجان الشارع الأردني، وهدد بسقوط الحكومة، وكذلك على دعم الرئيس المصري الذي سيكون في قمة السعادة وهو يفرض رسوماً مالية على الحدود بين مصر وغزة.
ويتساءل فيسك: هل يجب أن نبكي أم نضحك؟ عندما نقل ترامب سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس وسط مجزرة شنيعة في غزة ، أطلق العالم صرخة مدويّة، ثم التزم الصمت؛ وعندما تم تقسيم شاشات التلفزة بين المتملقين الدبلوماسيين والمجزرة التي ارتكبت على بعد 100 كم، فإنها عملت على تطبيع العلاقة بين الموت والجور في الصراع العربي – الإسرائيلي. ما يحصل أمر لا يصدّق – يقول فيسك – إذا كان بوسع الدبلوماسيين الأمريكيين أن يهنئوا بعضهم بعضاً بالقدس في نفس الوقت الذي كان فيه القنّاصون الإسرائيليون يطلقون النار على المتظاهرين الفلسطينيين على طول جدار الفصل في غزة، فإن كل شيء ممكن. يضيف فيسك: فعلاً، شيء غريب، ويدعو للسخرية النظر إلى صور”صنّاع السلام” من الدبلوماسية الأمريكية الجالسين حول نتنياهو. لقد اخترنا نحن – الغربيين – عدم التركيز على الأصل الديني أو العرقي لهؤلاء الأشخاص، لكن الإسرائيليين فعلوا ذلك: جميع هؤلاء الدبلوماسيين يهود، أو على الأقل جميعهم يدعمون بحماس لا متناه الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيهم السفير الأمريكي في إسرائيل. وعليه، من المستحيل أن نجد مسلماً واحداً في جهاز الدبلوماسيين والمستشارين الأمريكان الذي يشكّل جزءاً من الفريق الدبلوماسي مع البيت الأبيض منذ اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويختم فيسك بالقول: “لا شك أن “الاتفاق النهائي”، الذي أساسه اتفاق أوسلو هو ذروة الإهانة للشعب الفلسطيني: ليس هناك قدس شرقية، ولا نهاية للاستيطان، ولا اعتراف بحق العودة، ليس هناك دولة فلسطينية، ولا مستقبل.. فقط هناك “دفع كاش”.
هيفاء علي