اقتصادصحيفة البعث

تلوث البيئة أم “بيئة” ملوثة..!!؟

كادت الرائحة الكريهة جداً “تقتلنا”، والمشهد المؤذي يحرض كل عوامل ومسببات التقيؤ والدوار، ناهيكم عما يتساقط منها من مخلفات لحم الفروج الفاسد..!
شاحنة القمامة الحمراء، لا نبالغ إن قدَّرنا حمولتها بمئات الكيلوغرامات؛ كانت تسبقنا صباح أمس بعدد من الأمتار، وتسير غير آبهة لا ببشر ولا بنظر، كأنها في احتفالية عرض واستعراض للتشوه البصري والتلوث الصحي والبيئي في أبشع وأخطر صوره..!؟
خارجة بتلك الحمولة المكشوفة المُقززة الممرضة، من مدينة جرمانا متجاوزة كل الحواجز وضابطات المرور المتمترسة على المفارق، مروراً بالمتحلق الجنوبي، لتلتف باتجاه طريق المطار.. تلك الشاحنة لم تلقَ من يقول لسائقها: “مَحْلا الكحل في عيونك”..! والسبب الذي لم نجد غيره منطقياً وواقعياً، هو: “طعمي الفم تستحي العين” يفعل فعله..!؟
لم يقتصر هذا المشهد المؤذي لكل شيء على ما عرضنا، بل إن ما يضع العقل بالكف، فيض الحمولة التي أدت لاستمرار تساقط تلك المخلفات (من رؤوس وصدور وجلود الدجاج الفاسدة) على الطرقات التي تعبرها، “فارشةً” أمام ما يتلوها من مركبات “زفتاً لحمياً”، تقوم الأخيرة بهرسه وعلى مرأى الكل..!؟
هذا المشهد الذي رأيناه لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير، وهو كما في الأطراف أيضاً مُشاهد داخل العاصمة (نقل اللحوم مكشوفة)، وهنا مصيبة المصائب، ما يعني أن الرقابة وفي وضح النهار وعلى الملأ تغط في نوم عميق، وخاصة حين تكون حبوب النوم من النوعية شديدة التأثير، التي تحول الوقائع لأحلام وردية، تغدو فيها جثث دواجننا المتفسخة، حمائم بيضاء تطير فوق سهوب سوداء..!؟
من ناحيتنا لا نستغرب مثل تلك المشاهد والمشاهدات التي يحاول المحاولون تعويدنا على رؤيتها..! فحين تتحول مغاسل السيارات إلى مسالخ، فمن المؤكد أن يغدو مشهد تلك الشاحنة وحمولتها أمراً بديهياً لأنه يستتبع ما قبله..!
وإن قال أحد: إنه لا علم للجهات المعنية بذلك، فنؤكد أن تلك المسالخ واقعة على الشوارع العامة، وقد طاف صرفها الصحي أكثر من مرة بالدماء وماء مخلفات الذبح، وسالت على تلك الطرق، وجاءت المحافظة مؤازرة لفتح صرف تلك المغاسل عفواً المسالخ..!
وليعلم من يشاء العلم، أن المغاسل التي حُولت لمسالخ بقيت على حالها دون أي تغيير يراعي معايير وشروط الترخيص بذلك، هذا إن كان هناك بالأصل رخص وترخيص..! وحتى لو كان، فهو غير نظامي، وأتاوات غير النظامي معروفة.. كيف تُصرف ولمن..!
مما سبق نود لفت عناية المعنيين المشددة، إلى أن هناك ما يسمى بالفاتورة الصحية والفاتورة البيئية، التي تدفعها الدول وتخصص لها الحكومات الاعتمادات في الموازنات السنوية، وهي فواتير مركبة وتصاعدية تتناسب طرداً مع تنامي التلوث بكل أشكاله، والسؤال: لمصلحة من تفاقم تلك الفواتير، وخاصة في ظل الظروف الحالية من المتطلبات المالية وغير المالية..؟!
المفارقة المؤلمة أن مثل تلك الفواتير يمكن تقليصها للحدود الدنيا، باشتراطات بسيطة غير مكلفة كثيراً، إذا ما قورنت بتكلفة السكوت عن فاجعة التلوث، التي باتت ظاهرة وعلى “عينك يا تاجر”، فلماذا نتجاهل هذه الحسنات الاقتصادية والاستثمارية، التي تمنع عنا وعن خزينتنا العامة البلوى الكبرى..؟!
وألا يعلم أهل الاستثمار ومشرعوه وخبراؤه ومختصوه، أن من أهم المعايير في دراسات الجدوى الاقتصادية الناجحة لأي مشروع أو خدمة، ما يسمونه هم “تكلفة الأثر البيئي والصحي”..؟!
لا شك يعلمون، لكنهم وللأسف يستسهلون العلم، ويستصعبون التطبيق، والسؤال المعطوف على المبني للمجهول: من يوسع للأول (أي العلم) ويضيق على الثاني ( أي التطبيق).. وما الثمن، ولمن، وعلى حساب مَنْ..؟!
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com