دراساتصحيفة البعث

هذا ما تبدو عليه الدعاية الحربية الحديثة

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ساوث فرونت 5/7/2018

خلال الأيام القليلة الماضية انتشرت مقاطع فيديو كالفيروس، حقّق بعضها ملايين المشاهدات، كانت هذه المقاطع لنساء يقاتلن بشدة لتحرير أنفسهن من الاضطهاد في الشرق الأوسط. والمثير للفضول كان المشاركة الكبيرة لكثير من الجمهوريين والصقور المؤيدين لـ”إسرائيل”، وهم نوع من الجمهور لا يجتمع عادة من أجل دعم الحقوق المدنية. إذاً ما الذي حدث؟.
حسناً، ربما تجلس وأنت مصاباً بالدهشة، ثم يتبيّن أن الفيديوهات تخصّ نساء من بلد تصعد آلة الحرب الأمريكية عملياتها ضدها في الوقت الحالي، إنهم إيرانيون!.
عندما ترى الظهور المفاجئ لحملة إعلامية جذابة متعاطفة مع محنة المدنيين في دولة غنية بالموارد، غير منحازة للإمبراطورية الغربية، فإنها البروباغندا. عندما تُحاط تلك الأمة ببلدان أخرى لها انتهاكات لحقوق الإنسان، ومع ذلك تتجاهل هذه الحملة الإعلامية هذه الانتهاكات فأنت ترى بكل تأكيد بروباغندا. وعندما تصبح تلك الأمة بشكل خاص هدفاً لعقوبات التجويع وعمليات الاستخبارات المركزية الأمريكية السرية المتصاعدة، يمكنك المراهنة بكل ما لديك أن ما تراه ليس إلا بروباغندا.
في كانون الأول الماضي، تمّ تسريب مذكرة من داخل إدارة ترامب تبيّن كيف تمّ تدريب وزير الخارجية والدفاع السابق “ريكس تيلرسون” على كيفية استخدام الإمبراطورية الأمريكية لحقوق الإنسان كذريعة يمكن من خلالها مهاجمة وتقويض الحكومات غير المتوافقة معها “بحسب تقارير بوليتيكو”.
وتقول المذكرة الصادرة في 17 أيار: إن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم حقوق الإنسان باعتبارها الذريعة الأجدى لاستخدامها ضد خصومها، مثل إيران والصين وكوريا الديمقراطية، في حين تغضّ النظر عن أساليب القمع التي يتبعها حلفاؤها في الفلبين والمملكة العربية السعودية. ولفتت المذكرة التي أعدّها مساعد تيلرسون “براين هوك” إلى أنه ينبغي معاملة الحلفاء معاملة مختلفة، و”إلا فإننا في نهاية المطاف سنواجه المزيد من الخصوم”.
لا تعمل آلة الدعاية بشكل مختلف عن وزارة الخارجية، لأنها تخدم المؤسسة نفسها، وقد احتفلت وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة بـ”الإصلاح الليبرالي” لحليفتها السعودية التي سمحت للنساء بقيادة السيارات على الرغم من الأدلة الدامغة على أن تلك “الإصلاحات” ليست إلا مستحضرات تجميل سطحية لتقديم وجه جميل للعالم الغربي، في الوقت الذي يتمّ تصوير النساء الإيرانيات اللواتي تمكنّ من التمتع بحقهن بالقيادة منذ سنوات باعتبارهن مضطهدات بشكل فريد من نوعه!.
ويُعزى ذلك إلى أن مؤسسة السلطة المركزية في الولايات المتحدة، والتي لم تكترث أبداً في أي وقت من الأوقات بحقوق الإنسان، تخطّط لتنفيذ تغيير النظام في إيران بأي وسائل ممكنة. وإذا استلزمت تلك الوسائل مشاركة عسكرية مباشرة قد تكون مثيرة للجدل، فإن الإمبراطورية تحتاج إلى التأكد على أنها تحتفظ بالسيطرة على الرواية.
هذا ما تبدو عليه الدعاية الحربية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، فهي لا تظهر بشكل سيئ أبداً ولا تظهر لك مباشرة نواياها الحقيقية، لأنه إذا ظهرت حقيقتها فلن تؤدي مهمتها. لا يمكن أن تأتي مباشرة وتقول: “نريد القيام بأشياء شريرة مريعة، أشياء شريرة للشعب في هذا البلد، بل يرجى مجاراة ذلك دون إثارة ضجة”، سيبدو ذلك بالضرورة جديداً، ممتعاً متمرداً جذاباً ومثيراً.
في الحقيقة لقد أثبتت البروباغندا فعاليتها، فقد أشار مؤيدو ترامب الذين يتوقون لتقديم دليل على وقوفنا في الجانب الخطأ حيال المسألة الإيرانية في مقاطع الفيديو هذه عدة مرات في اليوم: لقد زيّنوا وسائل الحرب النفسية جيداً بمزيج من العرض الأنيق ليبعدوا التشكيك بهم وتصبح آراؤهم مقبولة كحقيقة.
من فضلك، عليك أن تكون أقل ثقة بهؤلاء الوحوش، لم يستفد شعب أفغانستان من المستنقع العسكري اللانهائي الذي أزهق أرواح عشرات الآلاف منهم، ولم يستقبل الشعب المضطهد في العراق الغزاة “بالترحاب باعتبارهم محررين”، كما خلف التدخل الإنساني في ليبيا كارثة إنسانية أكثر فظاعة من أي شيء، وتسبّب أيضاً التدخل الغربي -بحجة إنقاذ أطفال سورية- بمقتل نصف مليون سوري.
لم تتدخل الولايات المتحدة لتغيير نظام في الشرق الأوسط دون أن تُحدث كارثة، أو غرز مخالب وكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتلاعب بمشاعر شعوب المنطقة. إذاً من المفترض أن يصرخ الشعب الإيراني لمنع تدخل الولايات المتحدة وحلفائها، بدلاً من التصفيق والإشادة بالدعاية التي يتمّ تصنيعها بوضوح من قبل تلك الإمبراطورية.