تحقيقاتصحيفة البعث

من أجل سعادة أسرتها

 

المرأة المتعلّمة تتخلى عن طموحها، وتستمر بالعطاء والنجاح في حياتها.. لم يكن وائل يعلم أن المنشور الذي أراد به أن يسعد زوجته بعد تضحيتها له ولأطفالها بتركها وظيفتها الإعلامية منذ عشر سنوات، وبقائها في المنزل لترعى أسرتها، سيكون نقمة عليه، فبعد مرور ساعات قليلة على نشره رسالة لزوجته عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي يعبّر من خلالها عن تقديره لهذه التضحية، تهافتت التعليقات التي تذم هذا الزوج، وتحث المرأة على عودتها لعملها من جديد بعد أن أصبح يمتلك الشهرة الإعلامية الكبيرة، بما في ذلك طموحه، ويدفن في المقابل طموح زوجته في المنزل، ليجد وائل نفسه بعد أيام قليلة على نشره هذا المنشور أمام زوجة تريد العودة إلى عملها بعد أن أدركت أن الزواج لا يمكن أن يكون سبباً كافياً في قتل طموح المرأة في حال كان مبنياً على أسس صحيحة!.

دراسة

وفي أغلب حالات الزواج التي نشهدها في مجتمعنا نجد أن المرأة تتخلى عن طموحها بعد سنة واحدة من زواجها، لتنشغل في حياة أخرى جديدة وبعيدة كل البعد عما كانت قد رسمته في سنوات دراستها، في حين يستمر الرجل في تحقيق طموحه دون أن يقف الزواج عائقاً في طريقه، فقد توصلت دراسة حديثة إلى أن 61 بالمئة من السيدات يفقدن الثقة في قدراتهن على تحقيق أحلامهن، بل ويتراجعن عن رغباتهن في تحقيقها بعد الزواج مباشرة، وأفادت الدراسة أن السبب في ذلك يعود إلى انشغال المرأة بالمسؤوليات الجديدة التي يلقيها الزواج على عاتقها، ولم تكن مستعدة لها أو معتادة عليها من قبل، إضافة إلى رغبتها الملحة في الإنجاب، وانشغالها بصحتها في فترة الحمل، وانشغالها بتربية طفلها الأول، وبصحته بعد الإنجاب، وأجرت الدراسة اختباراً على 300000 سيدة حديثات الزواج، وكانت الاختبارات عبارة عن مجموعة من الأسئلة وجهت لهن عن أحلامهن قبل الزواج، ومدى شغفهن بتحقيقها بعد الزواج، ونظرتهن لأنفسهن بعد الزواج من حيث القدرة على تحقيق أحلامهن، وأثبتت نتيجة الاختبارات أن 61 بالمئة من هؤلاء السيدات تراجعن عن رغبتهن في تحقيق أحلامهن السابقة، مكتفيات بأحلامهن الجديدة المتمثّلة بالاستقرار الأسري، وإرضاء أزواجهن، وضمان مستقبل أفضل لأطفالهن.

ضغوطات نفسية

في حديثهن تعرف أن الأغلبية الكبيرة من النساء المتزوجات ذهبت أحلامهن وطموحاتهن ومشاريعهن الصغيرة قبل الكبيرة أدراج الرياح، وبدأن اليوم يحلمن بأن يعود الزمان بهن للوراء علّ وعسى يستطعن تغيير مجرى حياتهن، فنسبة عالية من النساء يعانين من ضغوطات نفسية ناجمة عن صدمتهن بالزواج، وتكسّر أحلامهن على أبواب المنزل، فمنهن من تشكو من أعباء الحياة الزوجية المتمثّلة بمسؤولية الزوجة تجاه المنزل وتجاه الأولاد، حيث تشعر بأنها ضائعة بينهم، وبأنها لا تستطيع التخلص من تلك المسؤوليات بسهولة، وأن العمل والطموح المتمثّل بتحقيق شيء كبير وخاص بها على الصعيد المهني سينتهي حكماً إلى الزوال بعد حين!.

تكافؤ زوجي

إذا كانت الدراسات والواقع الاجتماعي الذي نعيشه يثبت أن أكثر من نصف النساء يتخلين عن طموحهن بعد الزواج، فهذا لا يعني أن المرأة عاجزة عن الاستمرار في العطاء وتحقيق طموحها حتى لو كانت متزوجة، والأمثلة التي ضربتها لنا الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، كثيرة، ولو أن جميع النساء تخلين عن طموحهن بعد الزواج لما كنا قد شاهدنا المبدعات في مجتمعنا اللواتي وصلن إلى مناصب كبيرة في الدولة على الرغم من أنهن متزوجات، فالمرأة المبدعة تستطيع إثبات جدارتها في أصعب الظروف، وهذا ما نلمسه في بلدنا، فقد استطاعت المرأة، خاصة خلال الأزمة، إثبات قوتها وقدرتها على تحمّل الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها بكفاءة وجدارة عالية، وبدعم كبير من أزواجهن، ولم تنكر شعبان أن ثمة تحولات وتبدلات كبيرة تطرأ على حياة الفتاة عند دخولها للحياة زوجية تختلف تماماً عن حياتها السابقة في كنف والديها، إذ تختلف الهموم والمسؤوليات والطموح الذي كانت قد رسمته في مخيلتها قبل الزواج، ومخطىء من يعتقد أن طموح المرأة ينتهي بعقد الزواج، فهذه النظرة السائدة خاطئة حول موت طموح المرأة بعد زواجها، لكن وجود بعض الحالات المرضية في المجتمع لا يجعلنا نعمم الخطأ على باقي المجتمع، إذ يوجد أزواج يغارون من نجاح المرأة في العمل، وعلى هؤلاء أن يتفهموا بأن هذا النجاح سيعود عليهم وعلى أبنائهم بالخير، إذ إن أساس نجاح كل زواج يعتمد على تكافؤ الزوجين، ومعنى التكافؤ هنا شامل يشمل جميع المناحي العلمية، والاجتماعية، والأخلاقية، فإذا كان الزوجان يتصفان بهذه الصفات، فإن كل واحد منهم سوف يكون ناجحاً في حياته المهنية والزوجية، ولا يكون الزواج عقبة في تحقيق طموح المرأة، بل العكس صحيح سوف يكون الزوج هنا سنداً ومعيناً لها في تحقيق طموحها، وهذا ما نلحظه عند عدد كبير من النساء الناجحات اللواتي أثبتن جدارتهن في شتى المجالات، مع الحفاظ على نجاحهن في تربية أبنائهن.

ميس بركات