تحقيقاتصحيفة البعث

أثلام الخيبة!

 

يكشف الواقع خللاً كبيراً في السياسة الزراعية التي يتم تبنيها رسمياً، والعمل بها ضمن قائمة الأولويات الحكومية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي لم تحقق أي تقدم في مسار النهوض بالواقع الزراعي، وحلحلة المشكلات المتراكمة في هذا القطاع، وإنقاذ تعب الفلاح من الضياع والاستنزاف، وبشكل يقيه من الحاجة والعوز، ويكفيه ليبقى متمسكاً بأرضه، منتجاً لمقومات الصمود، ولا شك في أن توالي الانكسارات في حياته يثبت هزالة الخطط الزراعية التي لم تسعفه إلى الآن، بل على العكس تماماً، ففي كل عام تتكرر التحديات والخسارات ذاتها التي تحول  دون تحقيق عائدات اقتصادية مجزية للفلاح الذي تلاحقه الديون والخسائر، عدا عن المخاطر المرتبطة بالتغييرات المناخية في ظل غياب التأمين الزراعي، وطبعاً “ضعف الحلقات التسويقية المختلفة، وعدم وجود مؤسسات وشركات تسويقية رائدة”، أعاق جميع الجهود الهادفة إلى تغيير الحقائق الموجودة على الأرض، فما تم تحقيقه كان متواضعاً وخجولاً، وكانت له ارتدادات كبيرة على الثقة الموجودة ما بين الفلاحين والجهات المعنية المسؤولة عن إنجاح عملية تسويق المنتجات الزراعية التي لم ينقطع الحديث عن تحدياتها، وفي مقدمتها “الحمضيات”، سواء كان ذلك لصعوبة التصدير بفعل تداعيات الأحداث، والحصار الاقتصادي، أو لغياب المشاريع الصناعية القادرة على استيعاب المنتج الزراعي، وتصنيعه، وتحويل خاماته إلى مواد أكثر قابلية للاستهلاك، وللأسف يتم إدخال  الكثير من الأفكار السائرة في ميدان التصنيع الزراعي في معادلات حسابية مستحيلة الحل، وبشكل يحيّد الجدوى الاقتصادية، ويسقط أي مشروع في فخ الخسائر، رغم توفر الكثير من مقومات النجاح.

وللأسف كثرة الأفكار والتصريحات لم تحفر في حياة الفلاح سوى أثلام الخيبة، خاصة مع غياب استراتيجية تسويقية وتصنيعية واضحة المعالم تنقذ المواسم، وتربط ما بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير من جهة، ومن جهة أخرى تخلق علاقات تشابكية بين منشآت التصنيع الزراعي والفلاحين بشكل يؤدي إلى رفع القيمة المضافة للحاصلات الزراعية، ويقلل الفاقد منها.

إن الواقع المعيشي، سواء للفلاح أو لغيره من شرائح المجتمع السوري، وتدهور الأوضاع المادية إلى درجة “الطفر” الدائم، يفرض حالة من الاستنفار والعمل الاستثنائي، ليس على الجبهة الزراعية فقط، بل في جميع الميادين، بحيث تحشد كامل الطاقات في مسار مضاعفة الإنتاج بشتى الطرق والوسائل، وزج كافة الطاقات والإمكانيات المتوفرة في معركة الإنتاج، وتجاوز التحديات بمختلف أشكالها، وخاصة الزراعية ضمن نهج الاقتصاد الزراعي الذي يمكن من خلاله استثمار كل شبر من الأرض ليكون من مولدات الإنتاج التي تضيف لبنة جديدة إلى مقومات الصمود في ظل حالة الفقر والعوز التي اجتاحت المجتمع، وباتت أكثر شمولية واستيعاباً لفئات وشرائح اجتماعية جديدة.

بشير فرزان