تحقيقاتصحيفة البعث

مشاريع التنمية الريفية.. دور كبير في إعادة عجلة الحياة الاقتصادية إلى مناطق الريف السوري

تسببت الحرب الظالمة على سورية بأضرار وخسائر فادحة على معظم القطاعات والبنى التحتية، وكانت للقطاع الزراعي الحصة الأكبر من تلك الخسائر التي انعكست سلباً، وتسببت بمعاناة إنسانية شديدة بطبيعة الحال،  وأثرت على الوضع المعيشي لكافة شرائح المجتمع السوري، وخاصة العاملين في القطاع الزراعي، ويصعب علينا اليوم تقدير حجم الضرر الكبير بشكل دقيق، ومع ذلك يجب ألا يكون هذا الضرر عائقاً أمام إعادة  دفع عجلة القطاع الزراعي من جديد للمساهمة بتقليل الحاجة لتلقي المساعدات، ما يساهم بتخفيض نسبة الهجرة من المناطق الريفية، وإنعاش قطاع الزراعة الذي كان يعاني من مشاكل كثيرة حتى قبل الحرب، ما اضطر أعداداً كبيرة من سكان الأرياف لهجرة قراهم بحثاً عن حياة أفضل.

دعم الزراعة

مديرية مشاريع التنمية الريفية من المديريات المركزية في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التي تساهم مساهمة فعالة في تخفيف الفقر في منطقة عمل المديرية وفق الخطط والسياسات المقررة، والتي تستهدف المنطقة الشمالية الشرقية من خلال إحداث صناديق تمويلية مستدامة لتمويل المشاريع الصغيرة، ومتناهية الصغر، تراعي القيم المجتمعية السائدة، والمعايير الدولية، وأفضل الممارسات كإحدى الوسائل المساعدة في مكافحة الفقر من أجل تأمين الاستدامة لشبكة صناديق التمويل الصغير في القرى في منطقة عمل المديرية، والتوسع بها، وتسويق فكرة التمويل الصغير، بما يلائم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المحلي، بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، وربما من أهم البرامج التي تقوم مديرية مشاريع التنمية الريفية بتنفيذها البرامج التي تستهدف تنمية المرأة الريفية لرفع قدراتها، وتمكينها اجتماعياً، واقتصادياً.

تحسين الظروف المعيشية

الدكتور ياسر جمعة السلامة، مدير مشاريع التنمية الريفية، أكد أن النشاطات التي تحرص المديرية على تنفيذها في محافظات المنطقة الشمالية الشرقية كالحسكة، ودير الزور، كانت قد استهدفت حوالي مئة قرية بخطة تنموية متكاملة قائمة على النهج التشاركي، إضافة لدعم الجهات المختلفة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي: (الإرشاد الزراعي- البحوث العلمية الزراعية– المشروع الوطني للتحول للري الحديث– مديريات الزراعة في المنطقة)، فنياً ومادياً، بالتجهيزات المطلوبة لرفع مستوى الخدمات التي تقدمها للمزارعين في منطقة المشروع، وذلك بهدف المساهمة في تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية لأفراد المجتمع الريفي في المنطقة الشمالية الشرقية من خلال تمكين المجتمع المحلي، وإشراكه بالعملية التنموية الشاملة والمستدامة، والاستثمار الأمثل لموارده الطبيعية والبشرية، وتقديم العون الفني والائتماني اللازم، ويضيف الدكتور السلامة بأن تنظيم المجتمعات الريفية عن طريق إدارة الموارد المستدامة، والعمليات التجارية، ووصول المزارعين إلى الخدمات الاستشارية الزراعية ذات الفعالية، وتوفير الاستثمارات الخاصة التي تساهم بخلق فرص عمل، وزيادة الدخل، والاستخدام المنطقي، والإدارة المثلى لموارد المياه في الري، كل ذلك كان من أهم  الأهداف التي  حرصت  المديرية على تنفيذها.

ويؤكد الدكتور السلامة بأن أولوية الوزارة الرئيسية اليوم تنحصر بالتخطيط لإقامة مشروع شامل للتنمية الريفية يغطي كافة الأراضي السورية، وهذا يتطلب طبعاً إحداث فروع في كل المناطق والمحافظات، وبالتعاون مع الجهات المانحة، خاصة بعد تحسن الوضع الأمني، وعودة الاستقرار من أجل إعادة المهجّرين إلى قراهم ومناطقهم، وتثبيتهم فيها، مضيفاً بأن عمل المديرية في المناطق الشمالية الشرقية تضرر بسبب الحرب في مناطق كدير الزور، والرقة، ولكنه لم يتوقف أبداً في الحسكة رغم وجود بطء في بعض الأحيان هناك، واستكمل العمل في مناطق أخرى كالريف الحلبي، وبعض مناطق دير الزور بعد إعادة الأمن والأمان إليها.

 

آلية اختيار المستفيدين

يوضح الدكتور السلامة بأن المعايير التي تتبع لاختيار المستفيدين من هذه المشاريع تأخذ بعين الاعتبار النساء الأرامل التي تعيل أسراً يوجد فيها شخص معوق، وتتوفر لديها أرض، ومياه، وقدرة على العمل، إضافة إلى النساء الأرامل التي تعيل أسراً فيها (قُصر)، أو الأسر الفقيرة التي لا يوجد لديها مصدر دخل، والشباب الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل، بالإضافة إلى المزارعين الفقراء المتضررين من الحرب الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى التوقف عن العمل بالزراعة، وبالتالي فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، ومن ضمن النشاطات التي تقوم المديرية بتنفيذها حالياً مشروع زراعة الخضار الباكورية التي تستهدف 500 مستفيد من 27 قرية لتدريبهم على تحضير المشتل والزراعة بهدف إنتاج 2500 شتلة بندورة، و470 شتلة خيار، و330 شتلة كوسا، إضافة إلى مشروع تربية الدجاج البياض في قرى ريف القامشلي المموّل من برنامج الغذاء العالمي، وبالتعاون مع جمعية الوصل الخيرية الذي يستهدف 600 مستفيد ضمن 35 قرية، وأخيراً مشروع إنتاج الفطر المحاري في محافظة حلب المنفذ من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” الذي يستهدف 3400 مستفيد لاختيارهم وتدريبهم بشكل نظري على أساليب زراعة الفطر المحاري، وإعداد الخلطة، وتأمين الظروف المناسبة للزراعة ضمن قاعات مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بحلب، كما ساهمت المديرية بالتنسيق مع اتحاد الغرف الزراعية بتوزيع المساعدات العاجلة المقدمة من منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” في محافظتي الحسكة، ودير الزور، والمتضمنة بذاراً للقمح والشعير لـ /16500/ أسرة، بإجمالي /115500/ مستفيد، وذلك على مدى ثلاثة مواسم زراعية.

النهوض بقدرات المجتمع المحلي

تعمل المديرية على تشكيل اللجان التنموية في القرى المستهدفة لبناء قدراتها، وتدريبها على مبادىء التخطيط، ومبادىء التنمية، والنوع الاجتماعي في السعي الحثيث منها للاستمرار في التمكين الاجتماعي الذي يهدف إلى النهوض بقدرات المجتمع المحلي، وتفعيل دوره، وتلبية احتياجاته من خلال تنفيذ دورات محو الأمية للنساء الريفيات، ودورات الصحة، والإسعافات الأولية، ودورات إكساب المهارات المختلفة للشباب العاطل عن العمل: (خياطة نسائية– تمديدات كهربائية– تمديدات صحية– حلاقة رجالية– كوافيرة– نجارة- حدادة- صيانة جوالات– صيانة كومبيوتر– تطريز– موزاييك)، وغيرها، إضافة إلى التمويل الصغير عن طريق منح قروض متناهية الصغر للمستفيدين من خلال تشكيل لجنة إقراض من المجتمع المحلي، وتدريبهم على آلية مسك السجلات، ومبادىء وأسس العمل في صناديق التمويل، ثم تسجيل المساهمين، وجمع المساهمات في صندوق القرية، ومن ثم تقوم المديرية بدعم الصندوق بمقدار ستة أضعاف مبلغ مساهمات الأهالي، فكلما كانت المساهمات أكبر زادت النواة النقدية المقدمة من المديرية، عندها يتم إجراء قرعة لتنظيم القروض لأعضاء الصندوق، ومنح القروض العينية فقط، وسدادها بشكل شهري، أو ربعي، أو سنوي، كل هذا ضمن محاولات جادة وحثيثة تبذلها الوزارة والمديرية لتحسين الوضع المعاشي لأهالي الريف السوري ككل.

إن أهمية القطاع الزراعي في سورية لا تنحصر فقط بكونه من أكبر القطاعات التي يعمل بها أكثر من نصف اليد العاملة في سورية، بل إن قيمته المضافة تنبع من كون سورية بلداً يعتمد على الزراعة في كل مفاصل الحياة الاقتصادية فيه، ومصدر الدخل الأساسي لآلاف العائلات، وعلى الرغم من ظروف الحرب بالغة الصعوبة التي نتج عنها توقف معظم البرامج المقدمة من المنظمات الدولية، إلا أن معظم من استطاع من الأسر السورية البقاء في المناطق الزراعية آثر الصمود فيها، ومتابعة الحد الأدنى من عمله، واليوم الفرصة كبيرة لإعادة معظم الأهالي والأسر إلى مناطقهم الريفية لإعادة تفعيل دورة الحياة الزراعية في هذا القطاع الحيوي الذي بإعادته نضمن أمننا الغذائي، ونعيد له دوره في دعم الاقتصاد السوري.

لينا عدرة