دراساتصحيفة البعث

لا يمكن للقانون تغيير المجتمع في أمريكا وبريطانيا

 

ترجمة: سلام بدور

عن الغارديان 12/7/2018

تقاعد القاضي أنتوني كينيدي من المحكمة العليا الدستورية، الأمر الذي جعل زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب تعقب قائلة: “إن مستقبل ديمقراطيتنا على المحك”، لأن لدى ترامب الآن الفرصة لاختيار قاضٍ جديد أكثر تحفظاً من أجل إنشاء محكمة عليا يمكن أن تشكل المشهد الاجتماعي الأمريكي لعقود قادمة، وتقلّص المكاسب في كل شيء، من الإجهاض إلى حقوق التصويت.

إن احتمال تشكيل ترامب للمحكمة العليا هو فعلاً مثير للقلق، ومع ذلك فإذا كان تغيير قاضٍ واحد يؤدي لإضعاف الحقوق السياسية فإن تهديد الديمقراطية لا يأتي من اختيارات ترامب القضائية فحسب، وإنما من طبيعة المحكمة العليا ودورها في المجتمع الأمريكي.

وكما هي الحال في العديد من الديمقراطيات، يحاول النظام الأمريكي خلق توازن بين السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية السلطة التنفيذية المتمثلة بالرئيس هي أقوى بكثير مما هي عليه في معظم الديمقراطيات الأخرى، أما السلطة التشريعية المتمثلة بالكونغرس فهي أضعف بكثير، فيما السلطة القضائية هي مؤسسة سياسية فضلاً عن كونها مؤسسة قضائية. ونتيجة لذلك حاول رؤساء الولايات المتحدة الأميركية قبل فترة طويلة من ترامب تشكيل شخصية المحكمة العليا من خلال اختيار قضاة موالين، وربما كانت المحاولة التي قام بها فرانلكين دي روزفلت هي المحاولة الأكثر سمعة، ففي أوائل عام 1930 ألغت المحكمة العليا مراراً سياسات التعامل الجديدة مع روزفلت، لذلك وبعد فوزه الساحق في انتخابات عام 1937 قام روزفلت بتقديم مشروع قانون إصلاح الإجراءات القضائية والمعروف شعبياً باسم “خطة التعبئة القضائية”، والذي من شأنه أن يمنح الرئيس سلطة تعيين ستة قضاة جدد للمحكمة العليا، إلا أن هذا المشروع لم يصبح قانوناً لأن المحكمة العليا قامت بتغيير رأيها بسياسات روزفلت وأعلنت أنها دستورية وذلك في سبيل مواجهة خطة روزفلت لتعبئة المحكمة.

إن خصوصيات النظام السياسي الأميركي تعطي المحكمة العليا دوراً كبيراً في الحياة السياسية للبلاد، لكن على الرغم من خصوصيتها فإن النقاش الأمريكي يحمل دروساً واسعة حول الديمقراطية والقانون، وغالباً ما يتم تقديم القضاة وخاصةً على هذا الجانب من المحيط الأطلسي بوصفهم حراس القانون على أنهم حكام محايدون يقفون فوق الصراع السياسي، لأن الحفاظ على استقلال المحاكم عن المجال السياسي أمر مهمّ في أي مجتمع ديمقراطي، إلا أن العلاقة بين القانون والنظام القضائي والديمقراطية هي علاقة معقدة. فالقوانين تشكل نظاماً ضرورياً للقواعد، حيث إنها تنظم السلوك في المجتمع وهي في الوقت نفسه تقنين علاقة القوة بالمجتمع. فمن خلال التفكير في كيف أن القوة النقابية في القرن العشرين أجبرت النقابات على إضفاء الشرعية على الأنشطة النقابية، في حين أدى زوال حركات الطبقة العاملة على مدى الثلاثين سنة الماضية إلى إضعاف النقابات قانونياً، ومن خلال النظر إلى مقدار الجهد المبذول على تجريم من هم في قاع المجتمع والذين يعتبرون “خداع المنفعة”، في حين أن أعمال الشركات الكبرى التي تقوم على تجريد الأصول غالباً ما يتمّ تجاهلها، نجد أن القضاة أنفسهم ليسوا مترجمين محايدين للقانون. في كتابه “الظلم” يقول
“لان ميلهيزر” في عنوانه الفرعي: “للمحكمة العليا تاريخ في إراحة المريح وإصابة المنكوبين، من إبطال القوانين الفدرالية ضد عمل الأطفال إلى فرض عقوبات على الدول لتعقيم الناس بموجب قوانين تحديد النسل. فالمحكمة لديها سجل غامض ومدعوم أيديولوجياً”. كذلك هناك قصة مماثلة على هذا الجانب من المحيط الأطلسي. ففي السنوات الأخيرة غالباً ما كان الليبراليون على جانبي الأطلسي يلجؤون إلى المحاكم لفرض الحقوق التي قد تكون الحكومات أو البرلمانات قد تردّدت في الدفاع عنها.

أحد أكبر مخاوف الليبراليين تتمحور حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ أنه وبمجرد أن تكون بريطانيا خارج نطاق اختصاص محكمة العدل الأوروبية فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تآكل حقوق المساواة العادلة وحماية العمال. ومع ذلك كما تظهر أمريكا فإن النشاط القضائي يمكن أن يقطع كلا الطريقين من تصويت النساء إلى تنظيم أماكن العمل، لذلك فإن ضمان الحقوق والحماية لن يتم من خلال الأحكام القضائية وإنما من خلال الحملات الاجتماعية والضغط الشعبي.

بالنظر إلى مسألة الإجهاض فقد وعد ترامب منذ فترة طويلة بتعيين قضاة مؤيدين للحق في الحياة، وذلك لإبطال حكم “رو ضد وايد” وهو الحكم التاريخي للمحكمة العليا عام 1973 والذي جعل الإجهاض قانونياً. ومع ذلك حتى بوجود قانون “رو ضد وايد” مازالت النساء تجد صعوبة بالحصول على الإجهاض، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية أدخلت الولايات المحافظة مجموعة كبيرة من اللوائح التي تجعل الإجهاض أكثر صعوبة والحصول عليه أكثر تكلفة. وبذلك نجد أن تحدي مثل هذا التآكل في الحقوق يتطلّب أكثر من وجود قاضٍ مناسب في المحكمة الدستورية العليا، سواء أكنّا نتحدث عن حقوق الإجهاض في أميركا أم حقوق العمال في بريطانيا ما بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فما هو ضروري لكسب وحماية القيم التقدمية ليس نشاطاً قضائياً وإنما اجتماعي.