دراساتصحيفة البعث

خيانة ترامب لبريطانيا

 

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع ذا اتلانتك 12/7/2018

خلال حملته الانتخابية شجّع الرئيس ترامب البريكست، والآن أدار ظهره  لبريطانيا التي تصارع بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي.

هذه الحالة تذكرنا حين نشر طلاب ناشطون يناهضون الشيوعية في بولندا في ثمانينيات القرن الماضي شعار “ابتسم غداً سيكون أسوأ!”، لأن هذه الكلمات تنطبق تماماً على دبلوماسية دونالد ترامب. وفي اللحظة التي يحتاج فيها الشريك الأمني الأقرب لأمريكا مساعدتها، أحدث ترامب فوضى أثناء قمة الناتو قبل أيام!.

كان 51.9% من الجمهور البريطاني قد صوّت للانسحاب من الاتحاد الأوروبي عام 2016، حيث أكد قادة حملة “الخروج” للناخبين أن المملكة المتحدة ستقوم بسهولة وبسرعة بالتفاوض على علاقة جديدة مواتية مع الاتحاد الأوروبي،  ووعدوا بأن تتفاوض- بريطانيا ما بعد الاتحاد الأوروبي- لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة وكندا، وفي بيان حملة التصويت للخروج: “سوف نتفاوض على صفقة جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تقوم على أساس التجارة الحرة والتعاون الودي، وسنستمر بالتجارة مع أوروبا، ولكننا سنكون قادرين على التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة مع الدول الأخرى، الأمر الذي سيساعد اقتصادنا على النمو وخلق المزيد من فرص العمل..”.

تعدّ المملكة المتحدة أكبر سوق لصادرات سلع للاتحاد الأوروبي على الإطلاق، حيث تستحوذ على حصة أكبر من صادرات الاتحاد الأوروبي تفوق حصة الولايات المتحدة، ومن مصلحة الجميع، ولاسيما ألمانيا، التفاوض الوديّ على عقد اتفاقية تجارة حرة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إذا صوتنا للخروج واستعادة السيطرة على سياستنا التجارية، يمكننا التكلم عن أنفسنا وتوقيع صفقات جديدة مع دول في كافة أنحاء العالم، وخلق فرص عمل جديدة وفرص استثمارية جديدة.

وعبّر بطل البريكست “بوريس جونسون” عن الوعد بوضوح أكبر، معترفاً أنه في غضون ذلك قد تحتاج البريكست “لبعض التجميل لتؤتي ثمارها”، فقد تنبّأ بحقبة جديدة مجيدة من الصفقات التجارية التي تمّ التفاوض عليها في المملكة المتحدة: “فكر في ما يمكننا فعله لدى حصولنا على صفقات التجارة الحرة مع أمريكا، فكر في مبيعاتنا المحتملة من الويسكي إلى الهند، لو أمكننا فقط التفاوض على خفض الرسوم بنسبة 150٪ على “سكوتش”.

وبعد مرور خمسة وعشرين شهراً، لم تحقق تلك الآمال العظيمة أي  تقدم يُذكر في ظل الوضع القائم، بينما ستواجه المملكة المتحدة المصاعب الناجمة عن الانسحاب في الموعد المحدد في التاسع والعشرين من شهر آذار عام 2019.

كان من الطبيعي أن يتحمّل الرئيس الأمريكي المسؤولية لمشكلة الاتحاد الأوروبي -المملكة المتحدة كتحدٍّ رئيسي للسياسة الخارجية- وكان من الممكن أن يتدخل لمساعدة أصدقاء أمريكا، لكن ترامب ليس طبيعياً.

أيّد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية من “دوايت أيزنهاور” إلى باراك أوباما وجود اقتصاد أوروبي متكامل مع بريطانيا من الداخل، وأيّد الرئيس ترامب بريكست عام 2016 وبعد أن حقّق رغبته أدار ظهره لأصدقائه في البريكست، وكانت حملة الخروج تتصور أن بريطانيا سوف تنتقل بسلاسة من الاتحاد الأوروبي إلى مستقبل تجاري جديد في “الانغلوسفير”، وبدلاً من ذلك، بالكاد بدأت المفاوضات مع الولايات المتحدة –ولا عجب هذه الإدارة الفوضوية-، علماً أن كبير الممثلين لشؤون المفاوضات التجارية للزراعة لم يتولَ منصبه لغاية الأول من آذار الماضي.

ووفقاً لما ذكر توماس رايت في “بوليتيكو” فإن ترامب بدلاً من التفاوض بشأن معاهدة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة- المملكة المتحدة، فرض رسوماً على واردات الفولاذ والألمنيوم باسم الأمن القومي، وعرضت إدارته على المملكة المتحدة اتفاقية الأجواء المفتوحة لطيران الركاب أدنى مما استمتعت به المملكة المتحدة كعضو في الاتحاد الأوروبي، مرسلة تلميحات واسعة يتعيّن بموجبها على بريطانيا إلغاء عناصر مهمة من خدمات الصحة الوطنية كجزء من أي اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في المستقبل.

بدلاً من  محاولات الحدّ من الصعوبات، قامت إدارة ترامب بإثارة المشكلات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي تشرين الأول 2017، انضمت إدارة ترامب إلى كندا ونيوزيلندا وغيرها من البلدان المصدّرة للمنتجات الغذائية لتعطيل اتفاقية المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في منظمة التجارة العالمية حول التجارة الزراعية. إلا أنه في معظم الأحيان، تبنّت إدارة ترامب سياسة الإهمال الخبيث لحوافظ استثمار المملكة المتحدة- والاتحاد الأوروبي. ومن الواضح أن شغف ترامب للإطاحة بحكومة ميركل في ألمانيا يقف عقبة في طريق تقديم تنازلات مغرية من تلك الحكومة للمملكة المتحدة. وفي حزيران الماضي غرد ترامب عبر حسابه على تويتر بأن “شعب ألمانيا انقلب على قيادته”. -تحظى ميركل بنسبة تأييد 51٪  وهي نسبة أكبر بكثير من النسبة التي يحظى بها ترامب- وأعرب سفيره الاستفزازي عن رغبته في تشكيل حكومة ألمانية أكثر يمينية في مقابلة مع “بريتبارت” في الأسبوع الأول من عمله.

إدارة ترامب متغيّبة تماماً عن مركز الاتحاد الأوروبي، ولم يتمّ ترشيح سفير أمريكي في الاتحاد الأوروبي حتى شهر آذار المنصرم، ولم يصل المرشح إلى بروكسل حتى 9 تموز. يمتلك السفير الذي جرى اختياره -وهو جمهوري جامع للتبرعات منذ مدة طويلة– سلسلة صغيرة من الفنادق وعدا ذلك، ليس لديه أي خلفية أو خبرة فيما يتعلق بقضايا التجارة.

في السنة السابقة للتصويت في الاتحاد الأوروبي، حقّقت المملكة المتحدة الاقتصاد الأفضل أداءً في مجموعة السبع، وتعتبر كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أكبر مستثمر للآخر. وعلى الرغم من التخفيضات الحادة التي أعقبت الأزمة المالية عام 2008، إلا أن الإنفاق الدفاعي للمملكة المتحدة لا يزال أعلى من هدف الناتو المتمثل في تخصيص 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي.

سوف تتضاءل بريطانيا الأكثر ضعفاً وأكثر عرضة للتأثر، وأكثر انغلاقاً على الداخل لتصبح شريكاً لا يعول عليه بالنسبة للولايات المتحدة. يواجه صديق الولايات المتحدة المقرب مشكلة كبيرة، وينبغي أن تقدم له الولايات المتحدة المساعدة، لكن مساعدة الأصدقاء ليست في طبيعة دونالد ترامب!.