تحقيقاتصحيفة البعث

منطقة طوق جبلة بمواجهة استملاك عتيق وتخمين جائر إنذار بالإخلاء خلال شهر واحد.. والأهالي: نتعرّض لتهجير قسري!

التهجير القسري، متبوعاً بالتشرد، قدر كُتب على سكان منطقة طوق جبلة منذ عام 1995 عندما وضعت إشارة الاستملاك على العقارات البالغة 123 دونماً لصالح بلدية جبلة بغية تنفيذ منطقة صناعية، ثم في عام 2001 صدر قرار الاستملاك الجزئي للعقارات، وتحددت جداول التخمين البدائي للأراضي والأبنية والأشجار، حيث خمن سعر الدونم الواحد بـ 873 ألف ليرة، فيما خمن سعر متر البناء بـ 3800 ليرة، ومنذ ذلك العام الذي لن ينساه الأهالي بوصفه عام نكبتهم، راح الأهالي يشكون الظلم الذي وقع عليهم إلى البلدية، وإلى المحافظة، وإلى كل من يعنيه الأمر، حتى أثمرت شكواهم عام 2016، وتقرر إرسال لجنة لإعادة النظر بالتقدير البدائي، لعلها تنصف المتضررين، إلا أن قرار اللجنة لم يأت كما تمنّى الأهالي، إذ أكد على التقدير البدائي، وأشعل ناراً لن تنطفئ في صدور المتضررين الذين ضربوا الكف بالكف، وسلّموا أمرهم للأيام، إلا أن الأيام لم تنصفهم عندما جار الاستملاك عليهم، فإنذار البلدية الذي وصل قبل أيام قليلة إلى الأهالي جاء كالشعرة التي قصمت ظهر البعير، فالأهالي ليس أمامهم سوى مهلة شهر واحد لإخلاء عقاراتهم، والبحث عن البديل، والأنكى أنهم لم يقبضوا تعويضهم، ولا نية لديهم لقبض التعويض الذي لا يليق بخساراتهم الكبيرة!.
من أين نطعم أولادنا؟!
“نعيش على هذه الأرض منذ أكثر من 70 عاماً، والمؤلم أن كل هذه السنين ستذهب من أجل إقامة منطقة صناعية، أليس مؤلماً أن تتحول كل البساتين الزراعية الخصبة إلى مقاسم صناعية، مع العلم أن المسؤولين عن القطاع الزراعي ومنذ عشرات السنين لم نسمع منهم إلا المطالبة بالمحافظة على الأراضي الزراعية، ودعم الفلاح، وتأمين مستلزماته، فأين المعنيون مما يجري اليوم في أراضينا؟!”، بهذه العبارات لخص خليل الجوري، أحد المتضررين، وجعه ووجع كل العائلات المهددة بالتهجير القسري من بيوتها وأرزاقها!.
ويضيف الجوري: خمّنوا سعر الدونم الواحد بـ 873 ألف ليرة، مع العلم أن سعر الدونم في الأراضي المجاورة لنا يبلغ 25 مليون ليرة، موضحاً أنه تم تخمين أرضه البالغة 4 دونمات، ومنزله المؤلف من طابقين الذي يسكن فيه هو وأمه وإخوته بمبلغ 3 مليون ليرة، متسائلاً: هل يشتري لنا هذا المبلغ بيتاً يتسع لي ولعائلتي ولإخوتي؟! وإذا استطعنا أن نشتري منزلاً “على العضم”، هل نستدين المال لنقوم بإكسائه؟! ثم من أين نأكل ونطعم أولادنا بعد أن فقدنا أرضنا التي كانت مصدر رزقنا الوحيد؟!.

“هل ننصب خيمة؟!”
بدوره قال عبد الله عبود، متضرر آخر من قرار الاستملاك: رفضت استلام الإنذار، كما رفضت قبض التعويض البخس الذي قدروه ثمناً لبيتي وأرضي البالغة 50 دونماً، فأنا وإخوتي نعتمد في رزقنا على زراعة القمح والخضار، بالإضافة إلى أشجار الحمضيات واللوزيات، وأضاف: عندما يتم تنفيذ الاستملاك، أين سنذهب، فليس لدينا مكان آخر، ولا مصدر رزق؟!.. وبتهكم يتساءل: “هل ننصب خيمة في الشارع، ونفتح فمنا للهواء”؟!.
وتابع عبود: لو كانت عقاراتنا بإصلاح زراعي لقبلنا بالتعويض البخس الذي قدرته لجنة التقدير البدائي، لكن عقاراتنا بطابو نظامي، وليس من حق أحد أن يسلبنا إياها بأسعار زهيدة لا تشتري لنا غرفة في الأرياف؟!.
بدوره قال محسن عبود: نحن نقبل أن يعوضونا عن كل دونم بـ 5 ملايين حتى نستطيع أن نشتري بيتاً بديلاً نسكن فيه، فالمبلغ الذي حددوه لنا لا يشتري منزلاً في أبعد قرية في ريف جبلة، وأردف: إذا اشترينا منزلاً، من أين نأكل، خاصة أننا غير موظفين، ولا نجيد عملاً غير الزراعة؟!.
وبحسب عبود، الأنكى من الاستملاك هو قيام اللجنة باستملاك ثلاثة أرباع العقار الواحد، وترك ربعه للمالك، مدللاً على ذلك بوجود عقار مساحته 105 دونمات، تم استملاك 88 دونماً، وترك 17 دونماً دون استملاك بعرض أربعة أمتار على طول 400 متر، وهو طول الساقية المحاذية للعقار، بمعنى أن الأرض تركت دون استملاك حماية للساقية، متسائلاً: ماذا يستطيع المالك أن يفعل في أرض عرضها أربعة أمتار إذا كان حرم الطريق ثلاثة أمتار؟! وأردف: ناهيك عن الظلم الكبير الذي تعرّضنا له أثناء عملية التسجيل، فأنا أملك في أرضي 180 شجرة حمضيات وزيتون، و60 شجرة جوز اختزلتها اللجنة إلى 5 أشجار حمضيات، و9 أشجار جوز؟!.

شهر لا يكفي
لؤي عفيف، أحد المتضررين، يقول: لن أستلم الإنذار، لأن الاستملاك من أساسه جائر، ناهيك عن أن إعطاءنا مهلة شهر للإخلاء فيه ظلم كبير آخر علينا، وما يجري هو عملية تهجير قسري للأهالي الذين ليس لهم مكان آخر يذهبون إليه، متسائلاً: من يستطيع أن يجد منزلاً خلال مدة شهر؟!
وتابع: نحن لسنا ضد بناء منطقة صناعية حرفية، ولكن لماذا لا يبنون على عقارات أملاك دولة، مشيراً إلى أن تنفيذ عملية الاستملاك بأراضيهم من شأنه أن يقطع أرزاق العديد من عائلات المزارعين الفقراء، في الوقت الذي تعاني فيه محافظة اللاذقية من البطالة، وضيق المساحات الزراعية بالنسبة لعدد السكان؟!.
والحل برأي عفيف، إعطاء المتضررين بيوتاً بديلة عن بيوتهم في المنازل التابعة لبلدية جبلة، أو منحهم مقاسم داخل المنطقة الصناعية التي ستقام على أراضيهم.

“أكرموا ذوي الشهداء”
أم خليل واحدة من المتضررين، وأم لشهيد ضحى بروحه حفاظاً على أرض الوطن، تتحدث بحسرة الفقد الذي اعتادت عليه بعد أن فقدت ابنها: بعد ابني الشهيد سأفقد بيتي وأرضي التي أعيش من خيراتها، متسائلة: أليست هناك مكرمات لذوي الشهداء؟! لماذا لا يتركون لنا منازلنا التي قضينا عمرنا في بنائها حجراً فوق حجر، أو أن يعوضونا بما يكفل لنا شراء منزل آخر يستر كبرتنا؟! مضيفة: لا نريد سوى إنصافنا، والنظر إلى حالنا بعين الرأفة.

الإخلاء في الوقت المحدد
وبلسان الجهة المستملكة، قال المهندس أحمد قناديل رئيس بلدية جبلة: حتى لو امتنع سكان طوق جبلة عن استلام الإنذارات، فان ذلك لن يقف بوجه تنفيذ الاستملاك، وإخلاء العقارات في الوقت المحدد، موضحاً أنه تم لصق الإنذار على الجدران في المنطقة المستملكة، وفي بهو البلدية، كما تم الإعلان عنه في الصحف الرسمية.
وبيّن قناديل بأن موضوع استملاك العقارات في طوق جبلة بحكم المنتهي، إذ أقرت لجنة إعادة النظر استملاك العقارات، وبالسعر المخمن عام 2011، وقرارها بذلك مبرم.
وحول اعتراض الأهالي على مهلة الشهر بوصفها غير كافية لإيجاد مسكن آخر، قال قناديل: موضوع الاستملاك ليس وليد اللحظة، وإنما يعود لعام 1995، ومنذ خمس سنوات والأهالي يعرفون أن الأمر بات جدياً، وكان عليهم منذ ذلك الحين أن يبحثوا عن البديل المناسب لهم، مضيفاً: على الأهالي أن يخلوا عقاراتهم في الموعد المحدد، إذ لن تفيدهم الشكوى، والتمنّع عن التبليغ.
كما دعا قناديل الأهالي إلى التوجه لمبنى البلدية، والمباشرة بإجراء المعاملات القانونية: براءة ذمة من المياه، والهاتف، والكهرباء، ومن كافة الضرائب لاستلام أموالهم المودعة في المصرف المركزي باللاذقية، والبالغة 130 مليون ليرة.
وحول تدني أسعار التخمين، أوضح قناديل بأن الأسعار تم تخمينها أسوة بالعقارات التي تم استملاكها لصالح المتحلق الشرقي لمدينة جبلة، والبلدية ليست مهمتها تخمين العقارات، وإنما مهمتها تنفيذ عملية الاستملاك!.
وأردف قناديل: توجد شقق تابعة للبلدية في حيي بسيسين والنقعة، وإذا أراد المتضررون شراء شقق بديلة عن منازلهم التي استملكت فعليهم أن يدفعوا ثمن المتر بالسعر الرائج في السوق، وليس بالسعر الذي خمنت بها عقاراتهم!.

باسل يوسف