تحقيقاتصحيفة البعث

أحلام اليقظة.. هروب من الواقع إلى عالم الخيال

 

من خلال السؤال الذي كان يردده علينا أهلنا وأساتذتنا في المدرسة عن ماهية أحلامنا في مستقبلنا، كانت ترتسم في مخيلتنا عشرات الأحلام التي رسمناها وخططنا لها، فمنها ما فشلنا في تحقيقه، ومنها ما استطعنا الوصول إليه، فمن منا لا يحلم بالنجاح والتقدم على كافة المستويات الاجتماعية، والعلمية، والثقافية، ولولا هذه الآمال والأحلام العظيمة ما كانت هناك حضارة راسخة، والاختراعات تبنى أساساً على تخيل، لكنه محكوم بضوابط وأسس علمية، لكن ما نلحظه لدى شبابنا اليوم هو رسم أحلامهم في مخيلتهم الواسعة دون التخطيط لوضع الأسس الصحيحة لتنفيذ وتحقيق هذه الأحلام على أرض الواقع، لتبقى هذه الأحلام مجرد أحلام يقظة غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، ولتتحول بعد فترة إلى نوع من أنواع الأمراض النفسية التي تقود صاحبها إلى الفشل الذريع!.

تباين وجهات نظر
وخلال السنوات الماضية فقد الكثيرون متعة العيش في الواقع المرير الذي فُرض علينا تحت وطأة حرب قاسية جعلت الكثيرين يهربون منها إلى عالمهم الآخر الذي رسموه في مخيلتهم بشكل أجمل من الواقع ليستطيعوا الاستمرار في الحياة، هي أحلام اليقظة التي تراودنا بشكل دائم، فمن منا لا يفقد الارتباط بواقعه بشكل كامل لدقائق معدودة، ويستسلم للعيش في أحلامه وتخيلاته سارحاً في دنيا الأحلام، حيث متعة الهروب من واقع مرير، أو مغاير للآمال والتطلعات، لتأخذنا هذه الأحلام إلى حيث يصعب علينا الذهاب، وتحقق لنا أهدافاً بعيدة المنال، وبالرغم من تباين وجهات النظر حول أحلام اليقظة بين من يدرجونها ضمن مواقف لاشعورية، يتمنى الإنسان تحقيقها، وآخرين يذكرون بأنها معلومات غير واقعية تنطلق من الذاكرة وتسيطر على الفرد، عندها يحاول تحقيقها بواسطة أحلام اليقظة، فإن واقع هذه الأحلام يبقى واحداً.

هروب من الواقع
إن إغراق شبابنا اليوم في أحلام اليقظة ربما يعطيهم شعوراً بالرضى عن أنفسهم، حيث يعوّض الواقع بالخيال ليكون بمثابة مادة مخدرة يتعاطاها للهروب من الواقع إلى خيال ممتع سرعان ما يعود منه إلى الواقع ليجد أن الواقع قد أصبح أكثر صعوبة، ولكن خلال الأزمة التي نمر بها اختلفت أحلام اليقظة عندنا لتتحول إلى أحلام صغيرة كانت سابقاً أمراً واقعاً نعيشه قبل الأزمة، فهذا بدخل مادي بسيط بعد أن كان صاحب أكبر معامل الألبسة، وتلك تحلم بمنزل دافئ بعد أن فقدت منزلها، وذاك يسرح في أحلامه ليحلم بانتهاء الأزمة السورية، وعودة الأمان لوطنه الغالي، والطفلة الصغيرة تحلم بالعودة للمدرسة هي وإخوتها بعد أن حرمهم الفقر وفقدان منزلهم من الذهاب إليها، لتبقى هذه الأحلام مجرد عالم من الأوهام الذي يطير فيه الحالم فوق السحاب على أجنحة من التخيلات المرئية طمعاً في تحقيق الأمل المنشود.

خيال خصب
وأكثر ما تنتشر أحلام اليقظة في فترة المراهقة التي تشهد اضطرابات صاخبة، نفسية وجسمية وعقلية، وتختلف طبيعة الأحلام بين الجنسين، فبينما يحلم الشبان بالبطولة والمغامرة، فإن الأحلام الرومانسية هي التي تشغل عقول المراهقات، وتساهم قراءة القصص الرومانسية بأبطالها وأحداثها في إشعال أحلام اليقظة، وكثيراً ما تكون هذه الأحلام بمثابة صمام أمان يسمح بتحقيق ما هو بعيد المنال على أرض الواقع ليصبح أمراً ممكناً على صعيد الخيال، وأحلام اليقظة شائعة أيضاً عند الأطفال، فالمعروف عن هؤلاء أنهم يتمتعون بالخيال الخصب الذي يمكنهم من التغريد لبعض الوقت بأفكارهم بحرية ومن دون قيود، ما يعطيهم الفرصة للابتكار والإبداع.

رفضاً للواقع
تعرّض شبابنا خلال السنوات الأخيرة للكثير من الصدمات الجسدية، والصدمات النفسية، فالواقع المرير الذي فرضته الأزمة جاء كالسد المنيع في وجه طموحاتهم وأحلامهم، برأي الدكتورة “رشا شعبان”، علم اجتماع، وبالتالي فقد وجدت هذه الفئة من الشباب حلاً وحيداً هو الهروب للعالم الخيالي لتحقيق ما فشلوا به على أرض الواقع، ومع ذلك فإن أحلام اليقظة قد تكون مفيدة في حال كانت عبارة عن رسم لخطط مستقبلية في الخيال بغية النجاح في الحياة العلمية والعملية من خلال ترتيب الأفكار، واتخاذ الخطوات لتحقيق الهدف الذي يحلم به الشخص، ومن ناحية أخرى قد تنعكس هذه الأحلام سلباً على الشخص إذا وصل إلى حالة إدمان بها ليهرب في خياله ليلاً نهاراً إلى واقع أجمل من واقعه، فالمشكلة اليوم ليست في أحلام اليقظة، بل بالأشخاص الذين أصبحوا يعتقدون بصحتها، ويتحدثون عنها بشكل يشير إلى أنها أمر واقع، وحدث حقيقي، لا مجرد حدث في مخيلة الشخص، لذا لابد للفرد الذي يعيش هذه الحالة من أحلام اليقظة من أن يمارس نوعاً من الضبط عليها كي لا تبقى حياته رهينة لها، وبالتالي تتحول إلى حالة مرضية، وأوهام ليست لها حدود وقيود!.
ميس بركات