دراساتصحيفة البعث

“اليــــوم الذي يلــــــــي درعـــــا”

ستيفن صهيوني
“مينت برس نيوز”
يتم احتساب قيمة العقار بحسب الشعار الشهير: “الموقع، الموقع، الموقع”. لذلك تعجب الكثيرون من تحوّل مدينة زراعية إلى أن تكون أصل الصراع الذي دام سبع سنوات في سورية. يتساءل الكثيرون: لماذا لم تنطلق انتفاضة شعبية من العاصمة دمشق؟ لو أن غالبية السوريين كانت ترغب بالتغيير السياسي، ألا يفترض أن تكون حلب، المدينة الأكثر سكاناً في سورية، نقطة الانطلاق؟ في النهاية فإن الانتفاضة الشعبية هي صوت الشعب، لذلك فإن من الصعب تقبّل أن تكون مدينة حدودية صغيرة وبعيدة عن نبض وإيقاع الشعب السوري هي المحفّز على تلك الانتفاضة.
إن موقع درعا هو الذي أعطاها تلك الخصوصية، موقعها الفريد المتداخل مع الحدود الأردنية، والأردن حليف وفيّ لكلٍ من الولايات المتحدة و”إسرائيل”. كما يوجد في الأردن قاعدة ومخزونات عسكرية أميركية ضخمة. ترتبط درعا بالسعودية عبر طريق دولي سريع يمرّ بالأردن. الحرب تحتاج أسلحة وإمدادات وأموالاً ومجنّدين. لقد اندلع الصراع في سورية في شهر آذار 2011 في درعا، وها هو يصل إلى نهايته في شهر تموز 2018 في درعا أيضاً.
اعترف الجنرال أنور عشقي، المفاوض السعودي مع “إسرائيل”، أنه هو من وجّه مخزونات السلاح إلى الجامع العمري في درعا قبل أيامٍ من اندلاع الصراع. لم تكن هبّة درعا عفوية وطبيعية: بل تمّ التخطيط لها وتنظيمها وتمويلها بشكل جيد. لعبت كلاً من الولايات المتحدة وحلف الناتو وتركيا والسعودية وقطر أدواراً متكاملة ومنسقة في إطار مخططٍ لتغيير سورية.

المليارات من أجل تجميع “مقاتلي الحرية من كل حدبٍ وصوب”
نُشرَ في الآونة الأخيرة كتاب بعنوان “العالم كما هو”، كتبه بن رودس، الذي كان يكتب خطب السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما، والذي عمل لاحقاً كنائب لمستشار أوباما لشؤون الأمن القومي. اعترف رودس، خلال مقابلةٍ أجريت معه، حول سياسة إدارة أوباما الخارجية حيال سورية، أن الولايات المتحدة عملت يداً بيد مع كلٍّ من تركيا وقطر والسعودية من أجل تقديم الدعم العسكري للمسلحين الذين يقاتلون الحكومة السورية، واعترف أن العديد من الأسلحة والإمدادات وصلت في النهاية إلى أيدي الإرهابيين المتطرفين. في الوقت عينه، صنّف أوباما “جبهة النصرة” على أنها إرهابية، وحظر على المواطنين أو المجموعات الأميركية أن تقدّم الدعم لها، ولكن رغم ذلك كانت “النصرة” أقوى فصيل مقاتل على الأرض وقاتلت جنباً إلى جنب مع “الجيش السوري الحرّ” الذي ترعاه الولايات المتحدة.
منذ بداية الصراع السوري، تحوّل جون ماكين، السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا ورئيس أحد الفروع التابعة للصندوق الوطني لدعم الديمقراطية، إلى أحد أشدّ داعمي “الجيش الحر”. أطلق عليهم تسمية “المقاتلون في سبيل الحرية” وقام شخصياً بالسفر واجتياز الحدود الدولية بشكل غير قانوني من أجل زيارة قاعدتهم الشمالية داخل سورية، كما سافر إلى لبنان أيضاً، حيث أسّس قاعدة للعمليات لـ “الجيش الحر”، وتم استخدام قرية بلدة عرسال اللبنانية كقاعدةٍ جنوبية لهم. تمكّن “الجيش الحر” من استخدام لبنان كشبكة أمان، من خلال الاختباء خلف قناع “معسكرات اللاجئين السوريين”، حيث أقامت زوجاتهم وأطفالهم وكبار السن من عائلاتهم، كما قامت الأمم المتحدة بتقديم الطعام لهم وقامت منظمة أطباء بلا حدود بتقديم الرعاية الطبية لعائلات وجرحى “الجيش الحر” على السواء.
تعرّض ماكين لانتقادات شديدةٍ بسبب دعمه للمسلحين في سورية، لكنه كان يدافع عن نفسه بالرجوع خلفاً إلى أيامه في حرب فيتنام وبالقول: يجب القيام بأي تحالف من أجل هزيمة العدو. في فيتنام، قامت المخابرات الأميركية بتجنيد بعض السكان المحليين في الجبال، ممن ينتمون لمجموعةٍ عرقية تدعى همونغ، من أجل قتل جيرانهم. في نهاية المطاف خسرت الولايات المتحدة الحرب، لكنها أبقت على دعمها لمرتزقتها، وتم نقل الهمونغ إلى الولايات المتحدة بصفة “لاجئين” وأقاموا في أماكن مثل فريسنو في ولاية كاليفورنيا على حساب دافعي الضرائب، ويتعجّب الكثيرون من إمكانية أن يلقى “الجيش الحر” نفس المعاملة.
تأسست غرفة الموك للعمليات العسكرية في شهر شباط 2014 في عمّان. ضمّ المركز ضباطاً من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والأردن و”إسرائيل” وبعض دول الخليج. كانت مهمة المركز قيادة وتوجيه 54 ميليشيا مسلحة، أطلق عليهم اسم “الجبهة الجنوبية”. قدّمت غرفة الموك الأموال والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والتدريب لتلك الميليشيات. في هذا الصدد، يقول اللواء أحمد العيسى، وهو أحد القادة  في الجيش العربي السوري في درعا: إن الموك غرفة عمليات بقيادةٍ أمريكية ولكن النفوذ “الإسرائيلي” فيها كبير جداً من أجل الأهداف الاستراتيجية “الإسرائيلية” جنوب سورية.
حين سئل الناطق باسم القيادة المركزية للقوات الأميركية الملازم الأول كايل راينيس، سنة 2015، حول ظهور أسلحة المتمردين الذين ترعاهم الولايات المتحدة بين أيدي “النصرة”، أجاب قائلاً: “نحن لا نقود ولا نتحكم بهذه القوى – نحن ندربهم ونؤهلهم فقط. أما مع من يتحالفون، فذلك أمر يعود لهم”.
أطلقت وسائل الإعلام الغربية، مجسدة بالصحفية كريستيان أمانبور في قناة سي إن إن،  بشكل ثابت تسمية “المتمردين” على كل من يقاتل الحكومة السورية. في البداية أطلق على “الجيش الحر” اسم “الثوار” الذين يلبسون الأحذية الرياضية. بعدها تمت تسميتهم مجموعة المقاتلين من أجل الحرية – التوّاقين للحرية، وحصلوا على مبلغ مليار دولار في السنة، بحسب الوثائق التي سرّبها إدوارد سنودن، والتي كشفت عنها صحيفة واشنطن بوست. لكن “الجيش الحر” لم يتمكن أبداً من تجنيد العدد الكافي من المقاتلين، لأن غالبية السوريين لم تؤيدهم، ولم تؤيد أيديولوجيتهم. وبسبب عدم تمكنهم من تجنيد مقاتلين محليين، اتجهوا صوب المصدر الوحيد المتوافر: الإرهابيين المتطرفين في العالم، الملقّبين بالقاعدة وملحقاتها. حين بدأ هؤلاء الإرهابيون الدوليون يتدفقون إلى سورية من أوروبا، وأستراليا، وآسيا، والسعودية وشمال أفريقيا، كانت لديهم فرصة للربح، لكنهم لم يكونوا يعملون على قيام حكومةٍ علمانيةٍ جديدة في سورية: كان هدفهم فرض قانون الشريعة وإقامة دولةٍ إسلامويةٍ جديدة في سورية.
ليس من الضروري القيام بكتابة لائحة تضم أسماء المجموعات الأربع والخمسين المقاتلة في درعا. لكل مجموعةٍ اسم، لكن “النصرة” هي المجموعة الأكبر، و”داعش” موجودة أيضاً. تخلّى الرئيس ترامب عن السياسة التي كان أوباما يتبعها وأعطى التعليمات إلى “الجيش الحر” بشكل مباشر: الولايات المتحدة لن تساعدكم، لأن الولايات المتحدة لن تقوم بدعم أية مجموعة تقاتل إلى جانب مجموعة مصنّفة إرهابية، مثل “القاعدة”، “النصرة” أو “داعش”. هذا الموقف تسبب بسيلٍ من الهجمات الكلامية الموجهة ضد الولايات المتحدة في وسائل الإعلام من قبل الناطقين باسم “الجيش الحر” و”المجلس الوطني السوري”. إن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا تصنّفان القاعدة وملحقاتها، مثل “النصرة” و”داعش”، كمجموعات إرهابية، والبلدان منخرطان في حربٍ عالمية على الإرهاب، بالرغم من محاولة قناة سي إن إن الترويج بأن القوتين الأعظم على خلاف.

ما وراء “الإخوان المسلمين”
تم تأسيس “المجلس الوطني السوري” في اسطنبول، تركيا. كان جميع قادته من “الإخوان المسلمين” السوريين، أو من الجهاديين المشابهين لهم في التفكير. يعتبر “الإخوان المسلمون” منظمة خارجة على القانون في عدة بلدان، في مصر وسورية وروسيا على سبيل المثال. أجرى الكونغرس الأميركي عدة جلسات حول وجوب اعتبار “الإخوان المسلمين” منظمة خارجة على القانون في الولايات المتحدة، لكن لم يتم اتخاذ أي قرار. ما سمح لهذا التنظيم بالإبقاء على مكاتبه وأعضائه في جميع المدن الأميركية الكبيرة تقريباً، كما أن العديد من قادة “المجلس الوطني السوري” قدموا مباشرة من الولايات المتحدة- غسان هيتو، رئيس وزراء المجلس الأسبق، على سبيل المثال يعيش في دالاس، ولاية تكساس.
“الجيش الحر” هو الذراع العسكري لـ “المجلس الوطني السوري”. قامت إدارة أوباما بالاعتراف بـ “المجلس الوطني السوري” على أنه الممثّل الشرعي الوحيد للشعب السوري، ضاربة عرض الحائط أن غالبية السوريين الذين يعيشون في سورية ينظرون باحتقار إلى هذا المجلس وإلى “الجيش الحر”، ويرون فيهم دمى يحركها الغرب وأنهم مسؤولون عن معاناة السوريين. من الممكن أن تجد الكثير من السوريين من مختلف الأديان يرغبون بالإصلاحات السياسية، لكن لا يمكنك العثور على غالبية منهم تؤيد حكومة تسير على نهج الإسلام المتطرف – وهو ليس ديناً ولا مذهباً، بل إيديولوجيا سياسية. كانت سورية شكلاً من أشكال الحكومة العلمانية على مدى 40 سنة، وقد ترسّخ هذا الأمر في الثقافة السياسية السورية. توجد في سورية 18 طائفة مختلفة تعيش مع بعضها البعض، وتقوم الحكومة بحماية الحرية الدينية. إن هذا الأمر هو أحد القيم الجوهرية للحكومة والثقافة الأميركية.
كان “الجيش الحر” و”المجلس الوطني السوري” يأملان ويعتمدان على الجيش الأميركي بقيادة أوباما من أجل الهجوم على سورية وغزوها، ما يؤثر على انتصارهما، وعلى مستقبل الدولة السورية. لكن، “الخط الأحمر” أتى وذهب دون أيّ فعل. لم يرغب أوباما أن يتلطّخ إرثه بغزوٍ لسورية مبنيٍ على اتهامات لا أساس لها. لم يرغب أن يدخل التاريخ بصفته الطبعة الثانية من “بوش وبلير”.
استعرت الحرب في سورية حتى شهر أيلول 2015، حيث كان الجيش العربي السوري يقاتل بالقرب من اللاذقية. كان الجيش التركي هو العدو اللدود.. ليس الجهاديون، بل الجيش التركي العامل ببزّاته العسكرية وبطاقات الهوية العسكرية. حينها، أدرك المدنيون الذين يعيشون في منطقة الساحل أن هذه المنطقة التي كانت تعد ملجأ آمناً للأشخاص النازحين بسبب الحرب قد يتم اجتياحها قريباً. في الوقت نفسه كانت الحكومة الروسية تدرك مدى خطورة الوضع الذي يلوح في الأفق وخلال بضعة أيام قامت بالتدخل وقلب ميزان القوى.

عملية جنيف
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلم أن تحوّل سورية إلى دولةٍ إسلامية يشكّل تهديداً مباشراً لأمن روسيا القومي. وفي الواقع، فإن الكثير من “الجهاديين” قدموا من مناطق تابعة لروسيا أو على حدودها. كانت فلسفته على الشكل التالي: إما أن نقاتلهم في سورية، أو ننتظر لكي نقاتلهم في شوارع موسكو. لقد عانت روسيا من جرّاء العديد من الهجمات الإرهابية التي قام بها أتباع الإسلام المتطرّف. حاولت قناة سي إن إن إشاعة الفكرة أن بوتين يدعم الرئيس السوري. في الواقع، على مدى هذا المسار، كان بوتين يصرّ على اتباع القانون الدولي وعملية السلام من أجل سورية التي بدأت بها الأمم المتحدة، والتي تتضمن الاجتماعات السياسية التي عقدت في عدة أماكن تحت اسم “عملية جنيف”. استضافت روسيا في هذا الإطار اجتماعاً عقد في مدينة سوتشي، وتخطط لاستضافة اجتماعٍ آخر.
تتمّ هذه العملية بوساطة الأمم المتحدة عبر الوسيط ستافان ديمستورا، وتلعب إيران وتركيا وروسيا دور المشجّع على إحلال السلام عبر الحوار السياسي. هنالك ممثلون لكلٍ من الحكومة والمعارضة السورية المنخرطتان في العملية. قد يتوّج هذا بحلّ سياسي، ويتم وصف النموذج الأميركي بالتغيير عبر صناديق الاقتراع بأنه المقياس الذهبي للديمقراطية، لكن السياسة الخارجية الأميركية حيال سورية في ظل إدارة أوباما توسّلت التمرد المسلّح والدمار التام، دون الحديث عن آلاف القتلى والمعاقين والنازحين.
في شهر تموز 2017، وقّع ترامب وبوتين، إضافة إلى عبد الله الثاني ملك الأردن، مذكرة تفاهم حول إقامة مناطق لخفض التصعيد في سورية، كانت درعا من ضمن تلك المناطق. لكن، نصّت المذكرة بوضوح على أن جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة “القاعدة” و”النصرة” و”داعش” غير مشمولة بهذه المذكرة، وبالتالي ليست في مأمن من الهجوم. في الحقيقة، لم يتوقف الجيش الروسي إلى جانب الجيش العربي السوري عن مهاجمة الإرهابيين. وعلى الدوام وقف “الجيش الحر” الذي ترعاه الولايات المتحدة إلى جانب المجموعات الإرهابية كقوةٍ حليفة لها. وهو الأمر الذي جعلهم عرضة للهجوم، وجعل وسائل الإعلام الغربية تتهم بشكلٍ غير صحيح الروس والسوريين أنهم يخرقون تلك المذكرة. أخيراً، قامت إدارة ترامب بإصدار إنذارٍ نهائي لـ “الجيش الحر” في درعا: أنتم لوحدكم لأنكم اخترتم أن تكونوا جزءاً من الإرهابيين. كذلك نصّ قرار مجلس الأمن رقم 2254 أنه يجب على الدول الأعضاء منع وكبح الإرهابيين، وأن وقف إطلاق النار لا يشمل الإرهابيين.

اكتمال الدائرة حول درعا
بدأت معركة درعا النهائية بتاريخ 22 حزيران 2018، بعد أن رفض المسلحون العديد من المقترحات السياسية، بما فيها خطط المصالحة. أنجزت القوات السورية المدعومة من روسيا تحرير محافظة ومدينة درعا بشكلٍ شبه تام وحررت كذلك الحدود الأردنية. في النهاية، فاوض المسلحون الذين أصابهم الضجر للتوصل إلى اتفاق مع المركز الروسي للمصالحة، حيث سلّم بعض المقاتلين السوريين أنفسهم للجيش العربي السوري، وعادوا إلى حياتهم الطبيعية بما في ذلك الخدمة العسكرية. نقلوا البندقية بدلاً من الموت أو المنافي. البعض الآخر اختار ركوب الباصات إلى إدلب الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين في الشمال. نزح أكثر من 300 ألف شخص جرّاء عملية تحرير درعا من احتلال الإرهابيين لها الذي دام عدة سنوات. لكن هؤلاء النازحين عادوا إلى بيوتهم بمجرد تأمين المنطقة وبمجرد توقيع اتفاقيات المصالحة.
بعد اندحار الإرهابيين، دخل الجيش العربي السوري إلى درعا وأحكم سيطرته عليها وعلى المناطق المحيطة بها. خلال عملية التطهير، عثر الجيش على العديد من الأسلحة والذخائر والآليات التي تركها خلفهم الإرهابيون المهزومون. من بين الغنائم الغربية الصنع التي أصبحت في حوزة الجيش العربي السوري:
1- صواريخ تاو المضادة للدروع، وهي أمريكية الصنع.
2- عربات نقل جنود مصفحة من طراز “OT-64C” التي يستخدمها حلف الناتو.
3- مدافع وقذائف هاون وعبوات ناسفة يدوية الصنع.
4- مناظير رؤية ليلية، أنظمة وشبكات اتصالات.
5- أنظمة فرنسية مضادة للدروع من طراز APILAS.
6- صناديق ذخيرة مرسلة لـ”الجيش الحر” من الولايات المتحدة.
يقع معبر نصيب الحدودي في درعا، وهو مصدر للدخل للسوريين وللأردنيين على السواء. بسبب سنوات الحرب، ووجود المسلحين تم إغلاق الحدود. لكن مع تحرير الجيش العربي السوري لدرعا وجوارها، وتحرير معبر نصيب، بعد سنوات من الإغلاق، يمكن لحركة النقل الدولية للبضائع والمسافرين أن تعاود نشاطها على الطرق الواصلة بين سورية ولبنان وتركيا وأوروبا والسعودية وغيرها من البلدان.
إن النقل البري أقل كلفة بكثير من النقل البحري عبر قناة السويس. الحكومة الأردنية، التي لعبت دوراً في المعاناة السورية، سعيدة لأن المعبر على حدودها عاد للعمل مجدداً. هذا الأمر سوف يعيد فرص العمل والدخل لسائقي الشاحنات الأردنيين وغيرهم، الذين عانوا من البطالة خلال السنوات الماضية بسبب إغلاق المعبر.
معبر لبنان الحدودي مع سورية هو المصنع، وهو جزء من النشاط المتجدد الذي يرتكز على انتصار الجيش العربي السوري. أصبح بالإمكان القيام بنشاط تجاري كامل بين لبنان وسورية والأردن عبر الطرق البرية التي تمر في المصنع ونصيب، وتصل إلى دول الخليج العربي.
عامل إضافي جعل من تحرير درعا أمراً أكثر تعقيداً هو قربها من الحدود مع “إسرائيل”. إن موقع درعا الهام سمح لـ “إسرائيل” أن تقدم العلاج للإرهابيين الجرحى منذ سنة 2011. قد يتعجب البعض لماذا تخاطر “إسرائيل” بسلامة مواطنيها وأطقمها الطبية، لكن وزير “الدفاع” الإسرائيلي موشيه يعالون قدّم الجواب سنة 2016: “في سورية، أنا أختار الدولة الإسلامية”. كانت “إسرائيل” تدفع أيضاً الرواتب للمسلحين في درعا قبل تحريرها.
كان من عادة وزير الخارجية الأميركية السايق جون كيري أن يقوم بترديد الشعار: المسار السياسي هو الحل الوحيد في سورية، رغم أن سياسته الخارجية كانت تصبّ الزيت على نار المعارك والمذابح. لكن هنالك عملية سياسية تجري. ومن المقرر أن يعقد الاجتماع المقبل لصيغة أستانا في 30 تموز الحالي في سوتشي، حيث ستتمّ مناقشة الدستور السوري الجديد من قبل ممثلي الحكومة والمعارضة السورية، وغيرها من البنود الواردة على جدول الأعمال.
ما بدأ في درعا ينتهي في درعا، لقد فشل الهجوم الغربي على سورية، وكان الثمن مئات الآلاف من الضحايا والمعوقين وسكان الخيم وملايين من الذين يعيشون في الخارج، في أوروبا، منتظرين أن يتم سحب سجادة الترحيب من تحت أقدامهم.
لقد ورث ترامب الصراع السوري من سلفه أوباما الذي بدأ الحرب لكنه خرج مهزوماً. سوف يتوقف الأمر على ترامب في الخروج من ميدان المعركة السورية، حفاظاً على سلامة قواته المتواجدة بشكلٍ غير قانوني في سورية. لقد بدأ اليوم الذي يلي درعا.