تحقيقاتصحيفة البعث

رغم ظروف الحرب.. ملتقى اليافعين السوريين.. مشروع خلّاق.. وجهود لاستثمار الطاقات والإبداعات

 

يبدأ الطفل مع وصوله إلى سن المراهقة برحلة البحث عن الذات والهوية، ما يجعل الأهل في حالة قلق وعدم رضى عن الكثير من التصرفات التي قد يقوم بها أبناؤهم، ويعتبر معظم الأهالي أبناءهم من ضمن  ممتلكاتهم الشخصية، تابعين لهم، أو نسخاً عنهم، ما يُحدث صراعاً تربوياً بين الأهل من جهة، وأبنائهم من جهة أخرى، وهذا الصراع يحدث عادة عندما يكون هناك تهديد للاحتياجات، فاليافعون هنا يريدون إثبات ذاتهم بهذه المرحلة الحساسة، ورغبتهم في بناء شخصيتهم وتكوينها بعيداً عن سلطة الأهل، خاصة في مرحلتي المراهقة الأولى والثانية التي يريد من خلالها اليافع أن ينشىء قوانينه الخاصة وهويته، وهنا يبدأ بالبحث عن علاقات، وعن طرق خاصة به لبناء هذه العلاقات، لذلك فالمرحلة الأساسية التي من الممكن أن يعمل الأهل من خلالها على بناء علاقات صداقة مع أولادهم هي مرحلة المراهقة التي تعتبر الأنسب لتكوين شخصية اليافع، ففترة المراهقة هي الفترة الزمنية التي يبدأ فيها اليافعون بالبحث عن الحلم، ومن هنا أتت فكرة مشروع ملتقى اليافعين السوريين، خاصة أنه في فترة الحرب على سورية عملت الجماعات الإرهابية بشكل حثيث على زج هذه الفئة العمرية من المجتمع، والتي نقصد بها فئة المراهقين التي يسهل فيها التأثير عليهم، لإقناعهم بالانخراط معهم، فكان من الضروري اليوم العمل بشكل حثيث على هذه الفئة العمرية، وتهيئة الظروف المناسبة لتتمكن من بناء ذاتها بطريقة صحيحة.

فكرة الملتقى

إن ضرورة خلق مساحة حرة يتمكن من خلالها اليافعون السوريون من التعبير عما يجول في خواطرهم، وتقييم أنفسهم بالطريقة السليمة وبشكل حقيقي بعيداً عن الوهم، هي الهدف الأول  للملتقى من أجل بناء مستقبل أفضل لسورية، وقد انطلقت الفكرة بداية ضمن مخيم شبيه بالمخيم الكشفي شكلاً، ولكنه مختلف عنه بالمضمون تحت شعار وطني، هوية وانتماء، واستقطب المخيم حوالي مئتين وخمسين يافعاً من كل المحافظات السورية، وأقيم في نادي الفروسية، وبالطبع تحت إشراف فريق مؤهل، وبالتعاون مع اتحاد طلبة سورية ممثّلاً برئيسه، وبعضو المكتب التنفيذي داري سليمان، حيث تبنى الاتحاد المشروع مادياً، وقدم وذلل كل الصعوبات والعراقيل في آب من عام 2017 ضمن مجموعة من النشاطات عن مفهوم الوطن والهوية والانتماء ضمن نشاط تفاعلي بين أكثر من مجموعة، وممارسة مجموعة من النشاطات الترفيهية والألعاب بغية رفع مستوى ذهنية اليافع من خلال الحوار الجدي، مع خلق حالة من الفرح والتسلية، من دون التخلي عن الحالة الحوارية ضمن معايير المشاركة، على سبيل المثال أن يكون اليافع جدياً في الحوار، وقادراً على المناقشة، ما أثمر عن نتائج إيجابية، ونتيجة نجاح هذا النشاط تم الاستمرار به ليكبر، وهنا تمت مأسسة ما سمي ملتقى اليافعين السوريين، لينتقل ويصبح مؤسسة، ثم تمت إقامة مؤتمر تأسيسي للملتقى في قاعة رضا سعيد بمشاركة مئة وخمسين يافعاً تحت شعار لقاء وارتقاء، والذي خرج بتوصيات تضمن، حسب ما أوضح الأستاذ زياد يارد مؤسس ورئيس ملتقى اليافعين السوريين، أولاً العمل على تحويل الملتقى إلى مؤسسة اعتبارية ذات هوية وتنظيم تحت شعار وطني هوية وانتماء، إضافة إلى خلق مساحات حوار فاعلة لليافعين، إما من خلال الاجتماعات الدورية، أو المنصات الإعلامية عبر صفحات التواصل الاجتماعي للولوج في أفكارهم وتطلعاتهم، وانبثاق مبادرات مجتمعية يقوم بها اليافعون متسلّحين  بحب الوطن، وثقافة التطور، وتكريس التجمع الوطني لليافعين السوريين  السنوي، على أن يقام في كل عام في محافظة، وتفعيل دور اليافعين في مدارسهم ومجتمعاتهم ليكونوا شركاء حقيقيين في تطويرها وتجميلها، ربما ما ميز المؤتمر الأول للملتقى هو مشاركة وزير التربية هزوان الوز، وعضوي مجلس الشعب طريف قوطرش، ومعن عبود، إضافة إلى رئيس كشاف سورية الياس شحود، وممثّل عن الأمانة السورية للتنمية محمد السعود، ما زاد في ثقة اليافعين بأنفسهم، ومنحهم شعوراً بجدية ما يقومون به من طرح قضايا، واقتراح حلول لمشكلات تهمهم، ما يعطي قيمة كبيرة لما ينجز، خاصة أن مثل هذه الفعاليات يحتاجها الشباب السوري الذي عانى وتأثر بالحرب الشرسة على سورية.

شباب سوري واعد ومبشر بغد أفضل

لم يفاجئنا الشباب السوري بامتلاكه للوعي والقدرة الكبيرة على طرح قضايا شائكة تهمه، وقدرته على إيجاد الحلول لها، ومن بين أهم المحاور التي تم طرحها في المؤتمر كان موضوع المناهج الجديدة، ومدى قدرة اليافعين على استيعابها، وطرق التفاعل التي طرحتها وزارة التربية، ومدى جدواها، اليافع رامي الطويل أبدى إعجابه الكبير بالمؤتمر، وبأهميته من خلال ما تم طرحه من محاور، وحاجة اليافعين السوريين لطرح كل المحاور على طاولة الحوار والنقاش، كالمحور المتعلق بالشأن المدرسي، إضافة إلى المحور الخاص بعمل الجمعيات المدنية، وربما من أهم النقاط البارزة المؤتمر الصحفي الذي عكس مستوى الوعي، وحس المسؤولية العالي لدى اليافعين السوريين الذين كانوا يجيبون عن أسئلة وسائل الإعلام من دون أي تدخل من المشرفين، وبمنتهى الحرية والذكاء.

تطوعي ثقافتي

نزار يارد أوضح عن النشاط الذي سيقيمه الملتقى تحت شعار تطوعي ثقافتي، والذي سيكون عبارة عن مبيت لمدة أربعة أيام من 3-6آب ضمن المدينة الجامعية في محافظة اللاذقية، ويتم من خلاله تناول عدة محاور تخدم شعار التجمع من خلال أنشطة تفاعلية، وحوارات وأعمال مجتمعية، والذي سيكون من ضمن شروط المشاركة فيه لأي يافع أن يبلغ من العمر 12 عاماً، ولا يتجاوز 17 عاماً،  وأن يحمل في نفسه وروحه ثقافة التطوع، ويكون محباً لوطنه، ومؤمناً بمجتمعه، وقادراً على ممارسة الأعمال المجتمعية بشغف وابتسامة، ولديه فكرة عن عمل المنظمات والفرق التطوعية لإتاحة الفرصة أمام جميع اليافعين السوريين للمشاركة في هذا النشاط.

نحن جيل قادر

ختاماً ربما صراع الأجيال الذي لا ينتهي بين الآباء والأبناء، والذي يكيل فيه الآباء لأبنائهم بأنهم جيل غير قادر على المبادرة، وإيجاد الحلول لمشكلاتهم، جيل يعاني من الضياع، وعدم القدرة على تكوين الذات، وينشغل بأمور سطحية، ولا يملك قضية، هو صراع فيه الكثير من التحامل على الأجيال الشابة التي فقط تريد توفير الظروف لتظهر حيويتها، وحبها لبلدها، خاصة أن ما تبيّن وظهر من خلال هذه الفعاليات والمشاريع المهمة أوضح بشكل لا لبس فيه قدرة الجيل الجديد على الإبداع، وفهمه لمجريات الأحداث من حوله، وتميزه واختلافه بمجرد إتاحة الفرص المناسبة، وتوفيرها أمامه، ووضعه على الطريق الصحيح، ليثبت أنه اللبنة الأساسية التي يجب أن يرتكز عليها المجتمع السوري لبناء مستقبل مشرق بعيداً عن التعصب والتطرف، باعتبارهم الطاقة البشرية والحيوية القادرة على القيام بنهضة المجتمع وتطوره، وضرورة استثمار هذه القدرات والطاقات، وتوجيهها وتنميتها لزيادة الدافعية نحو التجديد والإبداع، وعدم تهميشهم بحجة عدم امتلاك الخبرات، والوقوف إلى جانبها، والأخذ بيدها بما يحقق طموحات وآمال الشباب السوري الذي يتميز بخصوصيته عن محيطه في البلدان المجاورة، والدليل ما تتحدث عنه بشكل شبه يومي وسائل الإعلام العالمية التي تسلّط الضوء على عشرات الشباب السوريين الذين يحققون الإنجاز تلو الآخر، ويثبتون للجميع أن السوري ابن حضارة عريقة، وصاحب مشروع هادف وبنّاء.

لينا عدرة