الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

غادة السمان..!

حسن حميد

أعرف، وتعرفون، أيها الكرام أن عدم إدراك المعنى هو لعنة، وسوء تدبير، وقلة حيلة وانتباه، وخفّة في الإحاطة، بالإشارات الموحية، والدخول إلى عوالم الجوانية الآسرة. أقول هذا لأن بعض المثقفين ممن عشنا وإياهم، وعرفنا مدوناتهم وسلوكياتهم مثلما عرفوا مدوناتنا وسلوكياتنا، وبعض المثقفين العرب أيضاً الذين نعرفهم ويعرفوننا، هؤلاء معاً حملوا لواء اللوم والعتب تجاهنا، وتجاه بعض الأدباء السوريين الذين يعيشون خارج سورية لأننا وقفنا معاً من أجل نصرة سورية خلال سنوات الحرب، لا بل حملوا لواء اللعنة فرجمونا بسبب وقفتنا الطبيعية التي تقتضيها الوطنية منا تجاه بلدنا الذي علّمنا، وربّانا، ومنحنا الحظوة والمكانة، ولعنوا ورجموا كذلك أكثر الأدباء السوريين الذين يعيشون في خارج سورية لأنهم وقفوا مع الوطن بكامل طاقاتهم المعرفية والوطنية والإنسانية!

وهنا، وكي لا أُبقي الكلام عاماً، فإنني أريد الإشارة إلى أمرين اثنين، وفي حيّزين جغرافيين، أولهما حيز الجغرافية السورية، لأقول إن الأدباء والمثقفين الذين اختاروا البقاء في سورية دفاعاً عن وطنيتهم، وتربيتهم، وعن القيم السامية التي عرفوها منذ أن كانوا على مقاعد المدرسة، نالهم من الرجم واللعنات والشتائم الكثير، واتهموا بشتى أنواع الاتهام، ورُموا بالقباحات، لتشويه أدبهم وسيرهم ومواقفهم في آن.. وعديد هؤلاء يكاد يشمل جميع المثقفين والأدباء في سورية، عدا المثقفين والأدباء والفنانين الذين ما زالوا في الجغرافية السورية، ولكنهم صامتون؛ وثانيهما حيز الجغرافيا القريبة أو البعيدة من سورية، وفيها يعيش أدباء ومثقفون وفنانون، أعلنوا عن مواقفهم الوطنية النبيلة تجاه ما يحدث من حرب فوق الأرض السورية، ونبهوا إلى مخاطرها وأهدافها هؤلاء نالهم الكثير من الأذيات والكلام الرجيم أيضاً، ولعل في مقدمة هؤلاء الأدباء أديبة سورية الكبيرة غادة السمان لأنها وقفت مع وطنها السوري، ودافعت عنه! غادة السمان التي أراها جوهرة أدبية نادرة المثال في الثقافة، والإبداع، والسمو الوطني، وفي جميع أزمنة مسيرتها الحياتية والأدبية، فهي الكاتبة التي لم تعرف الشكاية، أو التذمر، أو الاستدارة، أو الطعن، أو الافتئات، أو إدارة الظهر لعزيز، لأنها العاشقة لكل شباك، وزقاق، وشرفة، وطير حمام في الشام، بل العاشقة لكل نَفَس، ونداء، وصوت، وروح شامي. غادة السمان الأديبة التي كتبت القصة القصيرة والرواية فحلّقت في الأعالي وروّت مدونة السرد العربية بالندي العميم، وحين عملت في الصحافة اللبنانية كانت نجمة الصحافة. اثنان كان لهما سطوة النجومية غير المسبوقة، وغير الاعتيادية في لبنان هما: غادة السمان، وغسان كنفاني على الرغم من وجود قامات أدبية وفنية وثقافية لبنانية وعربية فذة وخارقة! وحين كتبت الشعر طوردت مثل غزالة تقفياً للبقع الأرجوانية التي حبّرتها يد غادة السمان النورانية وبالأشواق الكاملة، أما مقالاتها فكانت، ولا زالت، أحداثاً مهمةً!

ولا أظن أن كاتبة عربية عرفت الشهرة والحضور والبعد الجمالي وما فيه من مدهشات مثل غادة السمان. ولهذا وبسبب إبداعها، وإخلاصها لتربيتها، وعشقها للبلاد السورية، نرى الكلام الرجيم الذي تقذف به من نفوس لها أرواح شيطانية، ووجوه شائهة، وأنفاس حامضية! إنهم يريدون من غادة السمان أن تتحدث بالكلام الضرير عن أمها وأبيها وأهلها.. وكينونتها، أعني سورية، لأن سورية وما تواجهه منذ سبع سنوات وأزيد.. هي أمها وأبيها وأهلها وكينونتها! فهل يعي اللاعنون الراجمون قداسة الأوطان.. ونبل مبدعيها!

Hasanhamid55@yahoo.com