صحيفة البعثمحليات

خبرات “ولاد البلد” المحلية توفر 52 مليار ليرة في قطاع الكهرباء العائدات الحكومية وشراكات الحلفاء الداعم الأساسي.. والأبواب مشرعة للقطاع الخاص

دمشق– ريم ربيع

يراهن المجتمع اليوم على قدرة قطاع الكهرباء للنهوض والعودة إلى ألقه السابق، فبمعزل عن تذمّر سنوات طويلة من انقطاع التيار وتدمير خطوط النقل، إلا أن الأمل لم ينقطع باستعادة وتعويض ما تمّ فقدانه بالتخريب الممنهج أو سرقة المعدات المتطورة وتهريبها. ولعلّ المولد الأساسي لهذا لأمل يعود لخبرة “ولاد البلد” الذين فرضت عليهم الظروف القاسية الاستنفار وبذل كل الجهود الممكنة لتجنّب الانهيار الكامل للشبكة الكهربائية، فلم يعد بالإمكان الجلوس والانتظار ريثما يتفضّل الخبير الأجنبي ليبني هنا ويصلح هناك، بل أصبحت الساحة متاحة لكل مجتهد وذي خبرة وطنية ليقدم ما لديه من علم وعمل، سواء كان من القطاع العام أو الخاص الذي يمهد الطريق لعودته إلى الواجهة. وفي هذا السياق تقدم الحكومة نفسها كداعم أكبر في الاستثمار ورفد القطاع بما يلزمه لإعادة التأهيل، إلى جانب مشاركات الدول الحليفة التي ترسم الأرضية المناسبة لتبدأ بتطبيق مشاريعها خلال الأعوام المقبلة، بينما يبقى العبء الأكبر على أبناء هذا القطاع، فلم يكن تعويض 2000 مليار من الأضرار المباشرة على مكونات المنظومة الكهربائية بالأمر السهل والميسر في ظل عقوبات من كل حدبٍ وصوب، على الرغم من التأكيدات الدائمة على أن قوة بناء المنظومة الكهربائية مسبقاً هو ما مكّن من الاستمرار بالعمل خلال سنوات الحرب، ومع ذلك فإن هذه المنظومة كانت بحاجة لإعادة تأهيل وصيانة بشكل مستمر، وهنا كان التحدي الذي فرضته الضغوطات على قطاع الكهرباء وغياب قطع الصيانة والخبراء الأجانب كفيلاً باستنفار الدعم الحكومي وابتكار أساليب لتأمين كل ما يلزم لإعادة تأهيل القطاع الكهربائي.

مقومات

ويشير مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الكهرباء د. بسام درويش إلى المقومات العالية التي يملكها القطاعان العام والخاص لابتكار حلول عند الحاجة إليها، ما وفر 52 ملياراً نتيجة الاعتماد على الأيادي والخبرات الوطنية في مواجهة الصعوبات الكبيرة بمعالجة أعطال محطات التوليد ذات التكنولوجيا العالية، موضحاً أن الدعم الحكومي من الجهات كافة، خاصة وزارة النفط لتأمين الوقود بشكل كامل، أدى لتحسّن الواقع الكهربائي بالتوازي مع إصرار عمال الكهرباء لتأمين التغذية الكهربائية لجميع المواقع.

ويضيف درويش: إن الاعتمادات بالموازنة الاستثمارية لوزارة الكهرباء والجهات التابعة لها خلال 2018 بلغت نحو 45 مليار ليرة، في حين تجاوزت نسبة التنفيذ لغاية النصف الأول أكثر من النصف وهي نسبة عالية، ما اضطر الوزارة لطلب إضافة اعتمادات، وجاءت موافقة الحكومة لتأمين كل ما يلزم لاستمرار تنفيذ خطتها لعام 2018، كما لوحظ خلال مناقشة الخطة الاستثمارية لوزارة الكهرباء والجهات التابعة لها مع وزارة المالية زيادة الاعتمادات الاستثمارية 10% عن العام الماضي نتيجة الاهتمام الحكومي بتأمين استمرارية عمله، كما خُصّصت 3 مليارات ليرة في الخطة الإسعافية لإعادة تأهيل المناطق المحررة من الإرهاب، وعند الحاجة لأية إضافة فإن لجنة إعادة الإعمار تخصّص المبالغ المطلوبة كما حدث في الغوطة الشرقية وحلب ودير الزور، والآن سيتم تخصيص اعتمادات مالية لإعادة تأهيل المنطقة الجنوبية.

ونتيجة لظروف الحرب والحصار أصبح الاعتماد على الكهرباء في مختلف الحاجات كالتدفئة والطهي وغيرها أكبر، وزادت نسبة الضغط والطلب، الأمر الذي جعل استهلاك القطاعات مختلفاً، حيث كان الاستهلاك المنزلي قبل الأزمة أقل من 50% ارتفع في إحدى المراحل إلى حدود 60% والآن عاد لما يقارب الـ 53%، في حين بلغ استهلاك الزراعة والري وضخ مياه الشرب 6%، والصناعات التحويلية 21%، والاستهلاك التجاري 6%، وخدمات الدوائر الحكومية وإنارة الشوارع 3% والنفط 1%. وكون معظم الاستهلاك يعود للقطاع المنزلي فإن المشاريع الربحية غير مطروحة “حالياً على الأقل”، توافقاً مع توجهات الحكومة لدعم الكهرباء وتوفيرها بأسعار ميسرة، خاصةً للاستهلاك المنزلي والزراعي، حيث يؤكد درويش أن الحكومة مستمرة بسياستها والتزاماتها لتقديم الدعم، ولكن في الوقت نفسه لا تغفل عن إمكانية تطوير عملها وتعويض العجز الناتج عن ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج وقلّة العائدات.

طاقة

ويوضح مدير التخطيط في الوزارة أن نسبة الاعتماد على الغاز الطبيعي ارتفعت في الفترة الأخيرة نتيجة إعادة تأهيل حقول الغاز ومعامل معالجته وخطوط نقله إلى محطات التوليد، حيث بلغ الاعتماد على الغاز 70%، أما الاعتماد على الطاقات المتجددة فيأتي ضمن أهداف التنمية المستدامة والآفاق المستقبلية لتأمين الكهرباء التي يتمّ العمل عليها، وخاصة بعد صدور القرار 16/202 للعام 2011 وتعديلاته عام 2016 والذي يشجع الاستثمار بالطاقات المتجددة وربطها مع شبكات التوزيع. ويلفت د. بسام درويش إلى استفادة عدد من المستثمرين في القطاع الخاص من هذا القرار الذي قدّم أسعاراً تشجيعية للطاقات المتجددة، وبعضهم بدأ فعلياً بإنتاج ورفد المنظومة الكهربائية بالطاقة، إضافة إلى تقدم عدد منهم بطلبات للحصول على رخص بهدف الاستفادة من هذا القانون.

وكانت مساهمة القطاع الخاص في نشاطات توليد الكهرباء من المصادر التقليدية والمتجددة ومجال الاستثمار قد توقفت بشكل شبه تام بعد بداية الحرب، وعقب صدور قانون الكهرباء رقم 32 لعام 2010 الذي أتاح المجال لمشاركة القطاع الخاص. لكن الآن وبحسب درويش فإن الوزارة تعاود العمل لاستكمال التشريعات التي تشجع هذا القطاع على الاستثمار مع صدور قانون التشاركية (5) للعام 2016 الذي جعل البيئة التشريعية أكثر جذباً وإتاحة للقطاع الخاص الذي تدعوه الوزارة للاستثمار.

دعم صديق

أما ما يخصّ مساهمة الدول الصديقة والوثائق التي تمّ توقيعها معها، فيوضح درويش أن هذه الوثائق كانت عبارة عن مذكرات تفاهم تضع الأطر الأساسية للتعاون المستقبلي وتؤسّس لمشاريع ضخمة، إلا أنها تحتاج جهوداً حثيثة في التفاوض حول التكنولوجيا المطلوبة وآلية التمويل المناسبة، إضافة لانتقاء تجهيزات حسب المواصفات والمتطلبات الوطنية، وهذه العملية يتبعها جهود من الوزارة مع هذه الدول لتحويل مذكرات التفاهم إلى عقود ضمن الخطة القادمة حتى 2030، والتي تبدأ بمرحلة إعادة الإعمار ثم الإغاثة فالتعافي فالانتعاش حتى الوصول إلى الاستدامة، وهذه المراحل تنسجم مع الخطة الوطنية التي تعمل عليها الحكومة ما بعد الأزمة، وأن دلائل التعاون مع إيران تتجلّى من خلال استكمال محطات توليد كالمحطة التي تم إنشاؤها من قبل شركة إيرانية في محطة تشرين باستطاعة 450 ميغا واط، إضافة للتوسع بمحطة توليد جندر باستطاعة 450 ميغا واط، والعمل مستمر للتفاوض مع روسيا وإيران لتنفيذ المشاريع المستقبلية الهادفة لرفع الاستطاعة في المنظومة الكهربائية.

ولأن التركيز الآن على تأهيل المناطق المحررة وربط المحافظات ببعضها وإصلاح خطوط النقل فإن الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لإعادة ربط المنطقة الساحلية بمحطات التحويل في حماة. ويلفت مدير التخطيط إلى الخطة المستقبلية التي على رأس أولوياتها إنشاء محطة توليد كهربائية في اللاذقية لإيجاد مصدر توليد في المنطقة وتأمين تغطية الساحل، موضحاً أن العقبات الأساسية لتنفيذ المشروع انتهت كإعداد دفاتر الشروط والإعلان وتأمين أرض للمشروع، في حين تبقى تفاصيل فنية يتم العمل عليها حالياً. أما الآن فتعمل الوزارة على إعادة تأهيل محطة حلب 400 كيلو فولط مع إضافة محولة لإعادة خط التوتر العالي للربط بين (حماة 2) و(حلب ف)، وتدعيم هذه الشبكة سيكون له أثر إيجابي على المنطقة الساحلية والشمالية.