تحقيقاتصحيفة البعث

داعم قوي لمتخذي القرار في رسم السياسات المطلوبة مشروع استراتيجية وطنية لتطوير واقع العمل الإحصائي.. ينتظر الاعتماد

يشكّل الرقم الإحصائي الناتج عن معطيات صحيحة الداعم الأساسي لمتخذي القرار في رسم السياسات التنموية في مختلف المجالات على مدى سنوات طويلة، فهو بمنزلة الشريان الرئيسي الذي يشكّل مصدر الحياة لجميع مؤسسات الدولة على اختلاف مستوياتها، فبمقدار ما يكون النظام الإحصائي قوياً ومتيناً وشفافاً وذا موثوقية عالية، بمقدار ما يشكّل داعماً قوياً لمتخذي القرار في رسم السياسات المطلوبة التي تساعد في تحقيق أهداف التنمية الشاملة.

في سورية، وعلى مر السنوات الماضية، عانينا ومازلنا من عدم وجود نظام إحصائي بجودة عالية، وهذا ما ترك أثره بشكل واضح، حيث تعثرت الكثير من المشاريع التنموية رغم توفر الإمكانات بشكل جيد!.

في ظل هذا الواقع الإحصائي غير المرضي، تصدى الخبير والباحث في الديمغرافيا والإحصاء، الدكتور زكريا الزلق، عميد المعهد التقاني للإحصاء، لإعداد مشروع استراتيجية وطنية إحصائية توضح الخطوط العريضة لصياغتها في حال تم اعتمادها، فما هي الدوافع، والأهداف، والحاجة لهذا المشروع، ومبرراته؟.

عملية إنعاش!

يؤكد الزلق أن الهدف المنشود هو تقديم مشروع استراتيجية وطنية مقترحة لتطوير واقع العمل الإحصائي، تشارك في صياغتها جميع القطاعات المعنية العامة والخاصة والمشتركة، خاصة أنه يمكن أن نبدأ من الصفر- على حد قوله- في بعض المفاصل الإحصائية المهمة بسبب ما خلّفته الحرب من دمار، وذلك من أجل أن نؤسس وندعم بشكل صحيح متطلبات التنمية المستدامة وفق معايير عالمية.

ويشدد الزلق على الحاجة الماسة لإنعاش واقع العمل الإحصائي لنقله من حالته غير المرضية إلى مستوى مقبول وجيد على أبواب مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاج إلى معطيات رقمية دقيقة 100%، وبالنتيجة نسهم في كسر الحلقة المفرغة، أو الخلل الذي يعاني منه العمل الإحصائي الوطني.

أين الخلل؟

ورداً على سؤال حول أسباب هذا الخلل الحاصل في النظام الإحصائي القائم حالياً، بيّن الخبير الإحصائي أن الخلل الأكبر هو في ترهل الإدارات أو ضعفها، وهذا باعتراف الحكومات المتعاقبة ما قبل الأزمة الحالية، وخلال سنواتها الماضية، حيث أقرت بضعف الكوادر الإحصائية في معالجة وتخزين ونشر البيانات بكافة أشكالها، متسائلاً: لماذا منذ عام 2011 لا يوجد معاونون لمدير المكتب المركزي للإحصاء؟ لماذا تغيب آليات العمل الواضحة للمجلس الاستشاري؟.

السبيل إلى ذلك

ويوضح الزلق بأن السبيل إلى تحقيق هذه الاستراتيجية ليس سهلاً، وإنما بحاجة إلى إقامة العديد من ورشات العمل، والندوات، واللقاءات المكثفة مع منتجي ومستخدمي البيانات، فالعمل الإحصائي يحتاج لرسالة واضحة، أو خطة توضح الأفق المستقبلي الذي يظهر ما نصبو إليه، والقيم التي نصبو إليها في الجهاز الإحصائي لتحقيق تلك الرؤية، بحيث تكون المرجعية الأساسية الدقيقة والشفافة الداعمة لصناع القرار، وواضعي السياسات والبرامج في مختلف المجالات التنموية، واستجابة للمشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد، والذي قال فيه سيادته: “مشروع الإصلاح الإداري مشروع وطني، وكل شخص معني بهذا التطوير الذي سينعكس على كل المستويات الإدارية، وعلى الساحة الوطنية”.

ويؤكد الزلق أن مشروع الاستراتيجية يؤكد على بعض القضايا الإجرائية الهامة كتشكيل المجلس الأعلى للإحصاء، أو لجنة وطنية، وتكوين فريق عمل ميداني يعمل على تحديد المرجعيات والآليات، وإعداد خطة تنفيذية لكل هدف استراتيجي من خلال تحديد الأهداف الفرعية، والزمن، والجهة صاحبة التنفيذ، وتعديل الهيكلية التنظيمية بعيداً عن المسميات التي يطغى عليها الطابع الإداري، مع الأخذ من تجارب الدول المتقدمة إحصائياً.

وطالب بإعادة تفعيل دور المعهد التقاني الإحصائي الذي كان يصدّر الخريجين المتميزين إلى كل الوطن العربي في العقود الماضية، متسائلاً: لماذا لا نستثمر هؤلاء الخريجين الذين يمتلكون الكثير من الخبرة والمعرفة في إعداد وإدخال البيانات الإحصائية، سواء في مركز الحاسوب التابع للمكتب المركزي للإحصاء، أو في المديريات بالمحافظات، أليس هذا أفضل من بطالة هؤلاء الخريجين؟!.

وأوضح أن العمل الإحصائي الناجح يحتاج إلى آلية عمل متكاملة تتم من خلالها إعادة ربط الجهات المعنية بالعمل الإحصائي بالمحافظات، وتوفر بيانات إحصائية بالوقت والزمان المناسبين وفق آلية فنية تستند إلى رؤية علمية تحقق الرؤية التي تعمل عليها الدولة.

وشدد على ضرورة استصدار قوانين خاصة ترعى وتهتم بالكوادر العاملة بمجال الإحصاء من حيث البحث، والأجور، والتعويضات، لأن العمل الإحصائي يحتاج الكثير من الجهد والتعب.

هامش

تم إعداد هذا المشروع بعد اطلاع الباحث على تجارب العديد من دول العالم خلال فترة وجوده في الإعارة إلى المنظمة الدولية لتحليل النظم في فيينا لمدة عامين، حيث شارك في العديد من المؤتمرات الدولية الإحصائية، آخرها مؤتمر السكان في أمريكا كونه باحثاً رئيسياً، وأول سوري يشترك في الـ  IIASA المعهد الدولي لتحليل النظم، وله العديد من الأبحاث في المجال السكاني والديمغرافي نشرت في المجلات الدولية المحكمة.

غسان فطوم