ثقافةصحيفة البعث

إعادة تدوير الأيام

 

يحاصرني موت أزهار لا حصر لها، إنني واثقة من ذلك، أحلام محطّبة تتسم بكلمات آتية من قلب الوجع.
هذه مدينة البحر، الجبل، زهر الليمون، الآثار، المآذن، الكنائس، يفترض أن تكون خلقت للحياة، لكن أسوارها النفسية الشاهقة الأمراض، لم تهدني يوما سوى الألم..!
هنا يوجد بيتي، قلبي، صمتي، تعلمت الانتظار على أصوله، انتظرت العديد من المواعيد لأحبة، لكنهم كانوا على موعد مع موتهم قبل تأشيرة الوداع، رحلة طويلة ومازالت الصرّة على الظهر، لا أعلم كيف اختلط رماد أجسادهم بالتراب، كيف أصبحوا نسياً منسيا بعد ما كانوا الحق والحقيقة الباقية..!
ألهو بشك وببعض اليقينيات، شيء لذيذ أن تحيا على خواطر تتسكع بدمك ورأسك من هنا وهناك. تمر الحياة هكذا بلا لزوم، لا شيء يكتمل، لا الصباحات، لا اللقاءات، لا الصداقات، لا الحب، ولا حتى الأيام، كل شيء منقوص وإن اكتمل يتخلله الكثير من الفراغات التي يعبر منها كل جميل نريده أو نتوقع حدوثه على أي حال.
هذا المكان بكامل أفقه بات محدوداً، كل السبل موصدة بعناية فائقة غير عابئة بمن ينام ويصحو على أمل ما، مدينة ضائعة في نزواتها، أتراها تراهق بعد كل هذا العمر، أم أنها تلهو بنا صارخة بملء فمها (احترموا كبرة مدينتكم أيها الأوغاد)؟! على عتبة الأربعين أعيد شريط الحياة لأرى من جديد كل شيء دون أن أرى، أسمع أصوات الظلم دون أن ألتفت للوراء، أركض لأختصر المسافة دون تحريك ساكن..!
يا لتلك الأيام التي مضت في غرفة هادئة وكتومة، بصباحات على مقربة من البحر، أو في حضن البحر ذاته، جعبة رأسي مليئة بذكريات قابلة للتدوير، ولا واحدة تشبه الأخرى، فلكل منها طعم بنكهة وجع خاصة بها، ينبغي أن أحسن نسيانها، ينبغي أن يكون لي صبر أيوب لانتظار أن تعود بحلّة جديدة من جديد، لتصبح دماً يمشي في العروق، حيث لا يعود لها اسم، ربما تصبح هي الروح، عندها سأقلب صفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة وبخط عريض وجريء، غير قابل للمحو أو التلف.
ها هو العمر يمر كفأر حقل ولم أنتبه، ربما كنت سارحة غير متأكدة أنها الحياة!.
لينا أحمد نبيعة