دراساتصحيفة البعث

“البريكس”.. مستقبل واعد للبشرية

 

ترجمة: عناية ناصر
عن غلوبال تايمز 26/7/2018
هناك اتجاهان رئيسيان في العالم الآن. الأول، هو “اللاعولمة”، فبعد الحرب العالمية الثانية، هيمنت أمريكا على قواعد التجارة العالمية والعلاقات الدولية. وكانت المنظمات العالمية الرئيسية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة السبع، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وكذلك المنظمات الإقليمية- الاتحاد الأوروبي، ونافتا وغيرها- تعمل تحت غطاء الولايات المتحدة، وعادة من أجل مصلحة واشنطن.
في ظل الظروف الجديدة -الطفرة الاقتصادية للصين والسياسات الروسية النشطة- أطلق جزء مؤثر من المؤسسة الأمريكية عملية “التحوّل إلى اللاعولمة”. باستخدام شعار “أمريكا أولاً”، انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاق باريس بشأن المناخ، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والاتفاق النووي الإيراني، واليونسكو. وهو يهدّد بمغادرة الأمم المتحدة وحتى الناتو. تحاول واشنطن من خلال انتهاك الاتفاقات متعددة الأطراف والمعاهدات الدولية فرض قواعد جديدة على شركائها.
هناك اتجاه آخر يمكن تسميته “العولمة الجديدة”، ولكنه معروف أكثر بأنه بناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية. وقد طرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ وأيّده المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2017.
ويبدو أن هذا المبدأ الجديد يهدف إلى الإبقاء لفترة ما على النظام الدولي الحالي والأطر التجارية بأقل قدر من التغييرات التدريجية، والتي يجب أن تعكس حقائق جديدة في الاقتصاد، مما يضع حداً للنظام أحادي القطب.
من الواضح أن التغييرات الإيجابية على المستوى العالمي لن تتمّ بسهولة وبسرعة، وهذا هو السبب في أن الأمم الأكثر استياءً من الهيمنة الأمريكية بدأت تتحد لتنسيق وجهات نظرها وأنشطتها.
شهدت بداية القرن الحادي والعشرين تشكيل العديد من المنظمات الإقليمية والدولية الجديدة، حيث تمّ إطلاق “منظمة شنغهاي” للتعاون في عام 2001، و”البريكس” في عام 2006، وتبعتها مؤسسات مالية جديدة هي “رابطة شنغهاي للبنوك”، و”بنك التنمية الجديد للبريكس”، وترتيبات احتياطية للطوارئ لمجموعة البريكس، إضافة إلى بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي وصندوق طريق الحرير. وتستند مثل هذه المنظمات من النوع الجديد إلى مبادئ مثل المساواة، والانسجام، والاهتمام المتبادل. يساعد هذا النهج المؤسسات السياسية والمالية الجديدة على أن تكون فعّالة وجذابة.
تضم “منظمة شنغهاي” للتعاون التي بدأت باسم “شنغهاي 5” ثماني دول، أربع منها قوى نووية. في حين أطلقت الصين مبادرة “الحزام والطريق” في عام 2013، وقامت روسيا بتطوير “الاتحاد الجمركي الأوراسي” إلى “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” في عام 2014. وبعد الاتفاق الصيني الروسي حول ربط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام والطريق في عام 2015، وقرارات قمة بكين لمنظمة شنغهاي للتعاون في عام 2018، يكون إطار البنية الأوراسية الجديدة قد اكتمل بشكل أساسي.
من أجل معارضة الفكرة المدمّرة لـ”اللاعولمة”، يحتاج العالم إلى أفكار إيجابية ذات أبعاد عالمية ومنظمات فعالة. والفكرة العالمية الوحيدة الموجودة هي مجتمع ذو مستقبل مشترك للبشرية. وتمثل “البريكس” أفضل مثال على هذه البنية المحتملة للتعاون والتنسيق العالميين، إذ تضم البريكس ثلاث دول نووية بإمكانات اقتصادية تفوق إمكانات دول مجموعة السبع، ولهذا السبب أقترح تسمية البريكس بـ”بريكس 5″.
إن بداية الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن فرض عقوبات جديدة ضد روسيا وإيران، تملي ضرورة اتخاذ تدابير مضادة من قبل هذه الدول. لحسن الحظ، هناك منظمة شنغهاي للتعاون، والبريكس ومؤسساتها المالية الموجودة بالفعل.
لدى الصناديق الصغيرة نسبياً كل التجارب الإيجابية والسلبية، وقد طوّرت بعد فترة من التجربة بنية تحتية فعالة يمكن توسيعها بسهولة. ونعتقد أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات سياسية جريئة لبدء هذا التوسع في أقرب وقت ممكن. وعلى ما يبدو، فإن مفاتيح هذه العملية هي بيد بكين وموسكو.
يتعيّن على روسيا إنهاء معارضتها لتطوير “رابطة بين البنوك” من أجل إطلاق بنك كامل لمنظمة شنغهاي للتعاون، وبمساهمات إضافية من الهند وباكستان، يمكن أن تصبح هذه المؤسسة المالية بديلاً مهماً لبنك التنمية الآسيوي. ينبغي على الصين ضخ المزيد من الأموال في النظام المصرفي البديل المتنامي.
يمكن لقمة البريكس في جوهانسبورغ أن تكون نهجاً جديداً للحكم العالمي والأزمة الاقتصادية، من خلال توسيع رأس مال بنك التنمية الجديد، وتفعيل معاهدة ترتيبات احتياطية للطوارئ لمجموعة البريكس، ويمكن لروسيا والصين ودول “بريكس5” الأخرى أن تثبت قدرتها على تحمّل الحروب التجارية والعقوبات وضغوط السيولة العالمية، ويمكن لهذه القمة أن تكون معلماً رئيسياً على الطريق لتشكيل العمود الفقري الشامل في مستقبل مشترك للبشرية.