دراساتصحيفة البعث

ترامب “لاعب الغولف المنفرد” لن ينجح دون فريق

 

ترجمة: سلام بدور
عن واشنطن بوست 24/7/2018
على مدار الـ 18 شهراً الماضية أحنى وزير الدفاع جيمس ماتيس وغيره من كبار مسؤولي الأمن الوطني رؤوسهم محاولين تقديم المشورة الى ترامب بهدوء، إلا أن هذه العملية التشاورية المتدنية أخذت تتراجع مع ازدياد إصرار ترامب على حكمه المتهور، حيث أظهرت قمة هلسنكي أن ترامب يظنّ نفسه أفضل مستشار للسياسة الخارجية.
لقد اختفت الاستشارات الرسمية للوكالات التي تحيط عادة بأحداث مهمة كالقمة بين الولايات المتحدة وروسيا، كما أنه لم يكن هناك اجتماعات كاملة لمجلس الأمن القومي للإعداد لـ هلسنكي، إضافة إلى أنه لم يجرِ أي اجتماع بعد القمة لمناقشة نتائجها.
بالمعنى الحرفي والمجازي فقد اختار ترامب أن يذهب بمفرده مع الرئيس فلاديمير بوتين، وكان على المسؤولين الذين أرادوا معرفة ما حدث أن يقرؤوا تغريدات ترامب على تويتر أو التقارير الصحفية للبيت الأبيض، والتي حذّر أحد خبراء السياسة الخارجية البارزين قائلاً:”لا أظن أن يكون هناك عملية مشتركة بين الوكالات الآن، فأمجاد ترامب لا تعتمد على الاستماع للمستشارين بل إنه يثق في غرائزه في أكثر الأحيان”.
من جهته أوجز نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب وأحد أقرب مستشاري ترامب غير الرسميين هذا التحدي في مقابلة قائلاً: “إن مشكلة ترامب هو أنه لاعب غولف ولا يجيد الرياضة الجماعية والتي يجب فيها على باقي الفريق معرفة طريقة اللعب التي تعتمدها، أما لعبة الغولف فهي فقط بينك وبين الكرة. أعتقد أن هذه هي نقطة الضعف الرئيسية لترامب، فالعالم يصبح معقداً للغاية عندما يكون هناك شخص واحد يسيطر على كل شيء”. وأضاف غينغريتش: “إن هذا الشيء يقلقني، ففي القضايا المتعلقة بروسيا لا يتشاور ترامب بشكل مقرب مع المسؤولين مثل الجنرال جوزيف دنفور رئيس هيئة الأركان المشتركة، وحتى قبل القمة لم يتم اطلاع دنفور على هلسنكي على الرغم من أنه يؤثر بشكل مباشر على أكثر من مليون جندي يشرف عليهم”.
بالنسبة لـ غينغريتش فهو مختلف عن باقي المطلعين على ترامب من حيث رغبته في مناقشة الرئيس بشكل صريح، ومعظم المسؤولين الكبار خجولون ويخشون من أن يعتبر ترامب تفقدهم خيانة وانشقاقاً قد يسعى إلى تطهيره، كما فعل مع وزير الخارجية السابق ريكس تيليرسون. وأضاف غينغريتش: “ترامب لديه ثقة هائلة بك عندما تتفق معه، وهو لا يفكر بك إذا لم تفعل ذلك”، كما قال: “هكذا يكون الرئيس الذي يشعر بالملل، فالحيلة هي أن تكون قريباً منه ولكن ليس كثيراً”.
كيف يمكن لمستشاري ترامب أن يتعاملوا مع رئيس تعامل مع قمة هلسنكي وكأنها عرض خاص به؟!.
بالنسبة لجيمس ماتيس، وهو جنرال متقاعد من فئة أربع نجوم، والذي يحظى باحترام عالمي تقريباً في الكونغرس، لديه تحدٍّ دقيق للغاية، فخلال السنة الأولى لترامب كان ماتيس فاعلاً داخلياً، وقد اقنع ترامب بأن الدفاع عن التعذيب خطأ، وأن توجيه ضربة عسكرية محدودة إلى كوريا الديمقراطية يمكن أن يكون له نتائج خطيرة لا يمكن التنبؤ بها. ووفقاً لـ غينغريتش فإن مناقشات ماتيس مع ترامب حول كارثة الحرب النووية ساعدت على إقناع الرئيس بتبني مبادرة الحدّ من التسلح مع بوتين.
لدى ترامب مزاج متقلّب وقد يكون الآن غاضباً من مستشار وزير الدفاع الخاص به، حيث قال مصدر جمهوري إن ترامب علق مؤخراً قائلاً: “إن ماتيس ليس كلباً مسعوراً وإنما معتدل”. ومن جهة أخرى قال مصدر جمهوري آخر إنه في قمة مجموعة السبع الأخيرة في كندا سأل ترامب القادة الأوروبيين “ما رأيكم بماتيس؟”، إلا أن الأوروبيين خشوا من أن تكون هذه خدعة، فالكثير من الحماس قد يقوّض ماتيس.
أعطى ترامب ماتيس حرية إدارة البنتاغون، وبالمقابل كان ماتيس متحفظاً بشكل شبه كامل، إلا أن بعض مؤيدي ماتيس يرغبون بأن يميل إلى الأمام قليلاً من دون أن يعرّضه ذلك لغضب الرئيس أو يقوّض دوره السياسي.
أما بالنسبة لوزير الخارجية مايك بومبيو عضو الدائرة الداخلية لترامب والذي يبدو أكثر تشابهاً له في النظرة والمزاج، فهو المسؤول الرئيسي عن كوريا الديمقراطية وإيران، وهما التحديان الأكثر طموحاً في الإدارة الأمريكية. فهل يعطي ترامب بومبيو صلاحية التواصل الإستراتيجي حول هذه القضايا الكبيرة للبلاد والعالم؟ فإذا تنازع ترامب مع بومبيو فقد يغرق. أما الجزء الأخير من لغز ما بعد هلسنكي فهو مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي تعمّد إضاءة دائرة مجلس الأمن القومي وخفض تواتر اللقاءات الرسمية، وذلك لعلاج ما يعتقد أنه مبالغة بين الوكالات خلال سنوات أوباما. حيث يفضّل بولتون الاجتماع في مجموعات صغيرة مع بومبيو وماتيس وترامب، وهو لا يثق بالبيروقراطية ولكنه سيحتاج إليها للتعامل مع الكثير من النقاط الساخنة ذات يوم. مثله مثل معظم مستشاري الأمن القومي يريد بولتون أن يحاكي برينت سكوكروفت، ولكن عليه أن يدرك أن سكوكروفت كان لاعباً بيروقراطيا بارزاً.
غينغريتش على حق: فـ ترامب لاعب الغولف المنفرد لن ينجح إلا إذا لعب مع الأعضاء الآخرين في فريقه الرباعي، ولن يتمكّن من أن يصنع الفرق بمفرده!.