أخبارصحيفة البعث

حول مشروع «الناتو العربي»

 

د. مهدي دخل الله

جولة سريعة في الذاكرة تعيد المرء إلى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي. هذه العودة تسهّل فهم ما يقوم به الاستعمار الجديد في منطقتنا الآن، لأن موجه هذا الاستعمار كان ومازال هو نفسه..
حاولت واشنطن عندها فرض «حلف بغداد» على سورية ولبنان والعراق إضافة إلى تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان. وافق الحكم في لبنان والعراق ورفض الشعب في سورية المشروع بقوة فرضت على الحكم آنذاك الرفض. هددت تركيا باسم الحلف باجتياح سورية، حفر الشعب الخنادق تحت شعار «لن يمروا»، كانت النتيجة تخليص العرب من هذا الحلف الذي غيّر اسمه، فأصبح «الحلف المركزي»..
انتهى الحلف المركزي بعد فشل المشروع الأمريكي في آسيا وانتصار فيتنام. اليوم هناك محاولات جديدة، مازالت مبكرة لربط حلفاء أمريكا في المنطقة بحلف جديد يطلق عليه اسم مؤقت : الناتو العربي.
هناك مشكلتان أساسيتان تواجه هذا المشروع في إطار مجموعة «حلف أمريكا» في المنطقة. مشكلة الخلاف القطري السعودي، ومشكلة دور إسرائيل..
المشكلة الأولى تستطيع واشنطن حلها بالهاتف، كما قال وزير الدفاع القطري حرفياً أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن..
المشكلة الثانية أكثر تعقيداً.. عضوية إسرائيل في الحلف المذكور تلغي عنه اسم «العربي»، وهذه مسألة شكلية. هناك مسألة مضمونية هي الأساس، وتتعلق بكيفية جمع بعض الدول العربية في حلف صريح مع الكيان الصهيوني.
الأمر هنا يتطلب من ترامب أكثر من اتصال هاتفي لحل المشكلة. هناك عملياً خياران : الأول الاكتفاء في المرحلة الأولى بآلية «التوافق الاستراتيجي» بين الدول العربية التابعة لأمريكا وإسرائيل، حيث يتم تنسيق السياسات والاستراتيجيات العسكرية بين الطرفين عبر واشنطن. الخيار الثاني هو أن تنتظر أمريكا حتى يتم حل القضية الفلسطينية (أي تصفيتها) ومن ثم إنشاء علاقات دبلوماسية كاملة وعلنية بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي..
أي خيار ستتبناه واشنطن؟؟..
يبدو أن الضجة الإعلامية حول الحلف المذكور هدفها بالنسبة لأمريكا الضغط على العرب وإسرائيل من أجل الإسراع في حل (تصفية) القضية الفلسطينية ومن ثم تشكيل الحلف علناً فوق الطاولة لا تحتها..
أما المشكلة الحقيقية لدى أمريكا، فهي نفسها التي كانت في الخمسينيات.. أي سورية. لو أنهم استطاعوا ضرب سورية وتقسيمها لنشأ الحلف مع إسرائيل بلمح البصر، لكن سورية بقيت موجودة مع إصرار أكبر على معارضة أي استعباد للمنطقة. قد لانستطيع منع قيام هذا الحلف، لكننا سوف نمنع بالتأكيد أن يكون شاملاً لجغرافيا المنطقة بكاملها..
mahdidakhlala@gmail.com